فِيهِ وَأَوَّلَ الْيَوْمِ الَّذِي تَرِدُ فِيهِ بَعْدَهُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّاسِعُ عَاشُورَاءَ.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ: الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا أَنَّهُ الْعَاشِرُ وَهُوَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَتَقْدِيرُ أَخْذِهِ مِنَ الْإِظْمَاءِ بِعِيدٌ.
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّانِي يُرَدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَقِيلَ: إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ: إِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» "، فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الَّذِي كَانَ يَصُومُهُ لَيْسَ هُوَ التَّاسِعَ فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ الْعَاشِرَ، وَالتَّاسِعُ لَمْ يَبْلُغْهُ وَلَعَلَّهُ لَوْ بَلَغَهُ صَامَهُ مَعَ الْعَاشِرِ كَمَا فِي حَدِيثِ: " «فَصُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ» "، وَإِلَى اسْتِحْبَابِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ حَتَّى لَا يَتَشَبَّهَ بِالْيَهُودِ فِي إِفْرَادِ الْعَاشِرِ، وَقِيلَ: لِلِاحْتِيَاطِ فِي تَحْصِيلِ عَاشُورَاءَ لِلْخِلَافِ فِيهِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَيْهِ.
٦٦٥ - ٦٦٣ - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُمُ اقْتَدَوْا فِي صِيَامِهِ بِشَرْعٍ سَالِفٍ وَلِذَا كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ بِكِسْوَةِ الْكَعْبَةِ فِيهِ، لَكِنْ فِي الْمَجْلِسِ الثَّالِثِ مِنْ مَجَالِسِ الْبَاغَنْدِيِّ الْكَبِيرِ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ قُرَيْشٍ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: أَذْنَبَتْ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَعَظُمَ فِي صُدُورِهِمْ فَقِيلَ لَهُمْ صُومُوا عَاشُورَاءَ يُكَفِّرْهُ.
وَفِي الْإِكْمَالِ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ هَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ مُسَمَّيَاتُهَا لُغَةً أَوْ نَقَلَهَا الشَّارِعُ عَنْهَا وَوَضَعَهَا عَلَى مَعَانٍ أُخَرَ؟ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ سُنَنَ الْعَرَبِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فِي مَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ، فَعَرَفُوا الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصَّوْمَ وَالْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَتَقَرَّبُوا بِجَمِيعِ ذَلِكَ، فَمَا خَاطَبَهُمُ الشَّرْعُ إِلَّا بِمَا عَرَفُوهُ تَحْقِيقًا لَا أَنَّهُ أَتَاهُمْ بِأَلْفَاظٍ ابْتَدَعَهَا لَهُمْ أَوْ بِأَلْفَاظٍ لُغَوِيَّةٍ لَا يُعْرَفُ مِنْهَا الْمَقْصُودُ إِلَّا رَمْزًا كَمَا قَالَ الْمُخَالِفُ، ( «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» ) يُحْتَمَلُ بِحُكْمِ الْمُوَافَقَةِ لَهُمْ كَالْحَجِّ أَوْ أَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِي صِيَامِهِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ.
( «فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ» ) فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ بِلَا رَيْبٍ (صَامَهُ) عَلَى عَادَتِهِ، (وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ رِوَايَتَانِ اقْتَصَرَ عِيَاضٌ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْأَوَّلُ أَظْهَرُ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ اسْتِئْلَافًا لِلْيَهُودِ كَمَا اسْتَأْلَفَهُمْ بِاسْتِقْبَالِ قِبْلَتِهِمْ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَعَلَى كُلٍّ فَلَمْ يَصُمْهُ اقْتِدَاءً بِهِمْ فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ مُوَافَقَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُنْهَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute