(يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ) قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ مَنْ يُوجِبُهُ أَوْ يُحَرِّمُهُ أَوْ يَكْرَهُهُ فَأَرَادَ إِعْلَامَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَاسْتِدْعَاؤُهُ الْعُلَمَاءَ تَنْبِيهًا لَهُمْ عَلَى الْحُكْمِ، أَوِ اسْتِعَانَةً بِمَا عِنْدَهُمْ عَلَى مَا عِنْدَهُ، أَوْ تَوْبِيخًا أَنَّهُ رَأَى أَوْ سَمِعَ مَنْ خَالَفَهُ، وَقَدْ خَطَبَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ.
قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ لَهُمُ اهْتِمَامًا بِصِيَامِهِ، فَلِذَا سَأَلَ عَنْ عُلَمَائِهِمْ.
( «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِهَذَا الْيَوْمِ: هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ» ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (صِيَامُهُ) نَائِبُ الْفَاعِلِ، وَفِي رِوَايَةٍ: " «وَلَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ» "، ( «وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ» ) هَذَا مِنَ الْمَرْفُوعِ، فَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: " «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي هَذَا الْيَوْمِ: إِنِّي صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ» "، وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَمْ يُفْرَضْ قَطُّ وَلَا نُسِخَ بِرَمَضَانَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مُعَاوِيَةَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ فَإِنْ كَانَ سَمِعَ هَذَا بَعْدَ إِسْلَامِهِ فَإِنَّمَا سَمِعَهُ سَنَةَ تِسْعٍ أَوْ عَشْرٍ وَذَلِكَ بَعْدَ نَسْخِهِ بِرَمَضَانَ، فَمَعْنَى " لَمْ يُكْتَبْ " لَمْ يُفْرَضْ بَعْدَ إِيجَابِ رَمَضَانَ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَدِلَّةِ الصَّرِيحَةِ فِي وُجُوبِهِ، وَإِنْ كَانَ سَمِعَهُ قَبْلَ إِسْلَامِهِ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ قَبْلَ افْتِرَاضِهِ، وَنُسِخَ عَاشُورَاءُ بِرَمَضَانَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي قَبْلَهُ وَكَوْنُ لَفْظِ أُمِرَ فِي قَوْلِهَا وَأُمِرَ بِصِيَامِهِ مُشْتَرِكًا بَيْنَ الصِّيغَةِ الطَّالِبَةِ نَدْبًا وَإِيجَابًا مَمْنُوعٌ، وَلَوْ سُلِّمَ فَقَوْلُهَا فُرِضَ رَمَضَانُ. . . إِلَخْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ هُنَا فِي الصِّيغَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ التَّخْيِيرَ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ النَّدْبِ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إِلَى الْآنِ فَكَانَ بِاعْتِبَارِ الْوُجُوبِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute