بِلَا كُرْهٍ وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ إِذْ لَيْسَ ثَمَّ صِيَامٌ مُبَاحٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ (إِذَا أَفْطَرَ الْأَيَّامَ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهَا وَهِيَ أَيَّامُ مِنًى) ثَلَاثَةٌ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا: " لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجْدِ الْهَدْيَ " وَلِهَذَا حُكْمُ الرَّفْعِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.
وَلِلطَّحَاوِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ: " «رَخَّصَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتَمَتِّعِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ أَنْ يَصُومَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ» "، وَرَوَى الْإِمَامُ فِي الْحَجِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: " «إِنَّهَا الْأَيَّامُ الَّتِي نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِنَّ وَأَمَرَنَا بِفِطْرِهِنَّ» "، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ.
وَفِي مُسْلِمٍ «عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ وَأَوْسُ بْنُ الْحَدَثَانِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَنَادَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» "، زَادَ أَصْحَابُ السُّنَنِ: وَذِكْرِ اللَّهِ فَلَا يَصُومَنَّ أَحَدٌ.
(وَيَوْمُ الْأَضْحَى وَالْفِطَرِ) لِحَدِيثِ الْبَابِ (فِيمَا بَلَغَنَا قَالَ) ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَفِي نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَيَّامٍ ذَكَرَهَا دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ مَا عَدَاهَا، (وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ الدَّهْرِ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ هَكَذَا وَعَقَدَ بِيَدِهِ» "، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ فَلَا يَدْخُلُهَا، " وَعَلَى " بِمَعْنَى " عَنْ " أَيْ ضُيِّقَتْ عَنْهُ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: لِأَنَّهُ لَمَّا ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ مَسَالِكَ الشَّهَوَاتِ بِالصَّوْمِ ضَيَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ فَلَا يَبْقَى لَهُ فِيهَا مَكَانٌ لِأَنَّهُ ضَيَّقَ طُرُقَهَا بِالْعِبَادَةِ.
وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَإِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ بِكَرَاهَةِ صَوْمِ الدَّهْرِ، وَقَالَ بِهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَشَذَّ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: مَنْ صَامَ الدَّهْرَ أَثِمَ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: " «لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ مَرَّتَيْنِ» "، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ دُعَاءً فَيَا وَيْحَ مَنْ أَصَابَهُ دُعَاءُ الْمُصْطَفَى، وَإِنْ كَانَ خَبَرًا فَيَا وَيْحَ مَنْ أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَصُمْ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَضَرَّرَ بِهِ أَوْ فَوَّتَ بِهِ حَقًّا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ النَّهْيَ كَانَ خِطَابًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
وَفِي مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ عَنْهُ أَنَّهُ عَجَزَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَنَدِمَ عَلَى كَوْنِهِ لَمْ يَقْبَلْ رُخْصَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَاهُ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ سَيَعْجِزُ، وَأَقَرَّ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو لِعِلْمِهِ بِقُدْرَتِهِ بِلَا ضَرَرٍ وَبِأَنَّ مَعْنَاهُ الْخَبَرُ عَنْ كَوْنِهِ لَمْ يَجِدْ مِنَ الْمَشَقَّةِ مَا يَجِدُهُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ إِذَا اعْتَادَهُ لَمْ يَجِدْ فِي صَوْمِهِ مَشَقَّةً.
وَتَعَقَبَّهُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِسِيَاقِ الْحَدِيثِ، أَلَا تَرَاهُ نَهَاهُ أَوَّلًا عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ كُلِّهِ ثُمَّ حَثَّهُ عَلَى صَوْمِ دَاوُدَ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ أَنَّهُ لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَ الشَّرْعِ، وَبِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِأَنْ يَصُومَ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وَبِهَذَا أَجَابَتْ عَائِشَةُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَطَائِفَةٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ: «لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ» ، وَهُوَ يُؤْذِنُ بِأَنْ لَا أَجْرَ وَلَا إِثْمَ.
وَمَنْ صَامَ الْأَيَّامَ الْمُحَرَّمَةَ لَا يُقَالُ فِيهِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ عِنْدَ مَنْ أَجَازَهُ إِلَّا إِيَّاهَا يَكُونُ قَدْ فَعَلَ