وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ قَالُوا فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي»
ــ
٦٧١ - ٦٦٨ - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ» ) نُصِبَ عَلَى التَّحْذِيرِ أَيِ احْذَرُوا الْوِصَالَ ( «إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ» ) ذَكَرَهُ مَرَّتَيْنِ لِلتَّأْكِيدِ.
وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: " «إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» "، (قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي) بِضَمِّ الْيَاءِ (رَبِّي وَيَسْقِينِي) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِثْبَاتِ الْيَاءِ الْأَخِيرَةِ كَقِرَاءَةِ يَعْقُوبَ فِي الشُّعَرَاءِ حَالَةَ الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ مُرَاعَاةً لِلْأَصْلِ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي الْوَصْلِ فَقَطْ مُرَاعَاةً لِلْأَصْلِ وَالرَّسْمِ فَإِنَّهَا رُسِمَتْ فِي الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ بِحَذْفِ الْيَاءِ، وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «إِنِّي أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي فَيُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي» "، وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ» "، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مُطْلَقِ الْكَوْنِ لَا عَلَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ، لِأَنَّ الْمُحَدَّثَ عَنْهُ هُوَ الْإِمْسَاكُ لَيْلًا لَا نَهَارًا، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ إِنَّمَا هُوَ بِلَفْظِ " أَبِيتُ "، فَكَأَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ عَبَّرَ عَنْهَا بِلَفْظِ " أَظَلُّ " نَظَرًا إِلَى اشْتِرَاكِهِمَا فِي مُطْلَقِ الْكَوْنِ، قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [النحل: ٥٨] (سُورَةُ النَّحْلِ: الْآيَةُ ٥٨) فَالْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ، وَلَا اخْتِصَاصَ لِذَلِكَ بِنَهَارٍ دُونَ لَيْلٍ، وَآثَرَ اسْمَ الرَّبِّ دُونَ اسْمِ الذَّاتِ فَلَمْ يَقُلْ يُطْعِمُنِي اللَّهُ لِأَنَّ التَّجَلِّيَ بِاسْمِ الرُّبُوبِيَّةِ أَقْرَبُ إِلَى الْعِبَادِ مِنَ الْأُلُوهِيَّةِ لِأَنَّهَا تَجَلِّي عَظَمَةٍ لَا طَاقَةَ لِلْبَشَرِ بِهَا، وَتَجَلِّي الرُّبُوبِيَّةِ تَجَلِّي رَحْمَةٍ وَشَفَقَةٍ وَهِيَ أَلْيَقُ بِهَذَا الْمَقَامِ.
نَعَمْ لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: أَظَلُّ عِنْدَ اللَّهِ وَكَأَنَّهَا بِالْمَعْنَى، فَرِوَايَةُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا عِنْدَ رَبِّي، وَمَرَّ أَنَّ قَوْلَ الْجُمْهُورِ: إِنَّهُ مَجَازٌ عَنْ لَازِمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَهُوَ الْقُوَّةُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَمْ يَكُنْ مُوَاصِلًا وَمَرَّ جَوَابُهُ، وَقِيلَ: كَانَ يُؤْتَى بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ فِي النَّوْمِ فَيَسْتَيْقِظُ وَهُوَ يَجِدُ الرِّيَّ وَالشِّبَعَ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: مَعْنَاهُ وَمَحَبَّةُ اللَّهِ تَشْغَلُنِي عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالْحُبُّ الْبَالِغُ يَشْغَلُ عَنْهُمَا.
وَجَنَحَ إِلَيْهِ ابْنُ الْقَيِّمِ فَقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَشْغَلُهُ بِالتَّفَكُّرِ فِي عَظَمَتِهِ، وَالتَّمَلِّي بِمُشَاهَدَتِهِ، وَالتَّغَذِّي بِمَعَارِفِهِ، وَقُرَّةِ الْعَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute