للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَعْلَمُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعَبْدِ.

وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا شَيْءٌ يُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُ فَإِذَا بَلَغَ الْمَرِيضُ حَالًا لَا يَقْدِرُ مَعَهَا عَلَى الصِّيَامِ أَوْ تَيَقَّنَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ بِهِ حَتَّى يُخَافَ عَلَيْهِ جَازَ الْفِطْرُ، قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة: ١٨٤] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ١٨٤) ، فَإِذَا صَحَّ كَوْنُهُ مَرِيضًا صَحَّ لَهُ الْفِطْرُ، (وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ الَّذِي اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ وَبَلَغَ مِنْهُ وَمَا) الْوَاوُ زَائِدَةٌ (اللَّهُ أَعْلَمُ بِعُذْرِ) بِالْعَيْنِ وَالذَّالِ مُعْجَمَةٍ وَاحِدُ الْأَعْذَارِ، (ذَلِكَ مِنَ الْعَبْدِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَا تَبْلُغُ صِفَتُهُ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ صَلَّى وَهُوَ جَالِسٌ) لِلْعُذْرِ، (وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ) كَمَا قَالَ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ١٨٥) ، وَالْكَلَامُ فِي الْفَرْضِ، فَالنَّافِلَةُ يَجُوزُ الْجُلُوسُ فِيهَا بِلَا عُذْرٍ.

(وَقَدْ أَرْخَصَ اللَّهُ لِلْمُسَافِرِ فِي الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ وَهُوَ أَقْوَى عَلَى الصِّيَامِ مِنَ الْمَرِيضِ) هَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْأُولَى.

(قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ} [البقرة: ١٨٤] أَيْ فَعَلَيْهِ عَدَدُ مَا أَفْطَرَ {مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] يَصُومُهَا بَدَلَهُ (فَأَرْخَصَ اللَّهُ لِلْمُسَافِرِ فِي الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ وَهُوَ أَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ مِنَ الْمَرِيضِ) ، قَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا احْتِجَاجٌ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ الْفِطْرَ لِلْمَرِيضِ إِلَّا لِخَوْفِ الْهَلَاكِ دُونَ الْمَشَقَّةِ الزَّائِدَةِ، وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ وَلَكِنَّهُ خَافَ اعْتِرَاضَ مُعْتَرِضٍ فَتَبَرَّعَ بِالْحُجَّةِ عَلَيْهِ انْتَهَى.

وَبِهِ سَقَطَ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ كَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِالْقِيَاسِ مَعَ أَنَّ الْمَرِيضَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْآيَةِ قَبْلَ السَّفَرِ، لَكِنْ قَدْ يَتَأَكَّدُ قَوْلُهُ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ بِقَوْلِهِ (فَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ) فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ سَمِعَ غَيْرَهُ وَمَا أَحَبَّهُ، (وَهُوَ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ) أَيْ بِالْمَدِينَةِ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ قِيلَ: لَا يُفْطَرُ لِخَشْيَةِ زِيَادَةِ الْمَرَضِ لِأَنَّهُ ظَنٌّ لَا يَقِينٌ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصِّيَامُ بِيَقِينٍ، فَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ الْبَاجِيُّ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ، لَكِنَّهُ إِنَّمَا نَفَى عِلْمَهُ فَلَا يُنَافِي أَنَّ غَيْرَهُ عَلِمَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>