رَأْسٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ بِلَا لَذَّةٍ فَلَا مَنْعَ لِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُرَجِّلُ وَتَغْسِلُ رَأْسَ الْمُصْطَفَى وَمَرَّ حَدِيثُ التَّرْجِيلِ.
وَرَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهَا: " «كَانَ يَأْتِينِي وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ فَيَتَّكِي عَلَى بَابِ حُجْرَتِي فَأَغْسِلُ رَأْسَهُ وَسَائِرَهُ فِي الْمَسْجِدِ» "، ( «وَلَا يَتَلَذَّذُ مِنْهَا بِشَيْءٍ بِقُبْلَةٍ وَلَا غَيْرِهَا» ) كَجِسَّةٍ فَإِنْ فَعَلَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُبْطِلُهُ إِلَّا الْإِيلَاجُ.
وَعَنْهُ أَيْضًا كَمَالِكٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَفْسُدُ بِالتَّلَذُّذِ إِلَّا إِنْ أَنْزَلَ.
(وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ) الذَّكَرِ (لَا لِلْمُعْتَكِفَةِ) الْأُنْثَى (أَنْ يَنْكِحَهَا فِي اعْتِكَافِهِمَا) أَيْ يَعْقِدَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (مَا لَمْ يَكُنِ الْمَسِيسُ فَيُكْرَهُ) بِمَعْنَى يَحْرُمُ لِإِبْطَالِ الِاعْتِكَافِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] (سُورَةُ مُحَمَّدٍ: الْآيَةُ ٣٣) ، (وَلَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَنْكِحَ فِي صِيَامِهِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَكِفًا.
(وَفَرْقٌ بَيْنَ نِكَاحِ الْمُعْتَكِفِ وَبَيْنَ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ لِافْتِرَاقِ أَحْكَامِهِمَا فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ: (إِنَّ الْمُحْرِمَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَعُودُ الْمَرِيضَ وَيَشْهَدُ) يَحْضُرُ (الْجَنَائِزَ وَلَا يَتَطَيَّبُ) لِحُرْمَتِهِ عَلَيْهِ، (وَالْمُعْتَكِفُ وَالْمُعْتَكِفَةُ يَدَّهِنَانِ وَيَتَطَيَّبَانِ وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ شَعْرِهِ) حَلْقًا وَغَيْرِهِ، وَيَتَنَظَّفَانِ وَيَتَزَيَّنَانِ إِلْحَاقًا لِكُلِّ ذَلِكَ بِالتَّرْجِيلِ وَغَسْلِ الرَّأْسِ الْوَارِدَيْنِ فِي الْحَدِيثِ.
(وَلَا يَشْهَدَانِ الْجَنَائِزَ وَلَا يُصَلِّيَانِ عَلَيْهَا، وَلَا يَعُودَانِ الْمَرْضَى) وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَأَمْرُهُمَا فِي النِّكَاحِ مُخْتَلِفٌ) ، فَيَجُوزُ نِكَاحُ الْمُعْتَكِفِ دُونَ الْمُحْرِمِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ» "، وَلِذَا قَالَ: (وَذَلِكَ الْمَاضِي مِنَ السُّنَّةِ فِي نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَالْمُعْتَكِفِ وَالصَّائِمِ) بِلَا اعْتِكَافٍ فَيَجُوزُ لَهُمَا دُونَ الْمُحْرِمِ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ الْإِحْرَامِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ النِّكَاحِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْجَوَازُ فِيهِمَا خَرَجَ الْمُحْرِمُ بِالْحَدِيثِ وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى أَصْلِ الْجَوَازِ، وَلِأَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَهُ مَانِعٌ يَمْنَعُهُ مِنَ النِّسَاءِ وَهُوَ لُزُومُهُ لِلْمَسْجِدِ، وَالْمُحْرِمُ غَيْرُ مُنْعَزِلٍ عَنِ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ يَنْزِلُ مَعَهُنَّ فِي الْمَنَاهِلِ وَيُخَالِطُهُنَّ فَيُخَافُ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute