أُوتِيتُ فَقِيلَ لِي إِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ فَاعْتَكَفَ النَّاسُ مَعَهُ» "، وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " «أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَاهُ فِي الْمَرَّتَيْنِ» فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ أَيْ قُدَّامَكَ "، (وَقَدْ رَأَيْتُ) وَفِي رِوَايَةٍ أُرِيِتُ بِهَمْزَةِ أَوَّلِهِ مَضْمُومَةٍ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ أَيْ أُعْلِمْتُ، (هَذِهِ اللَّيْلَةَ) نَصِبَ مَفْعُولٌ بِهِ لَا ظَرْفٌ أَيْ أُرِيتَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ.
وَجَوَّزَ الْبَاجِيُّ أَنَّ الرُّؤْيَةَ بِمَعْنَى الْبَصَرِ أَيْ رَأَى عَلَامَتَهَا الَّتِي أُعْلِمَتْ لَهُ بِهَا وَهِيَ السُّجُودُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ، (ثُمَّ أُنْسِيتُهَا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، قَالَ الْقَفَّالُ: لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ رَأَى الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْوَارَ عِيَانًا ثُمَّ نَسِيَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ رَأَى ذَلِكَ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا قَلَّ أَنْ يُنْسَى، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ كَذَا وَكَذَا فَنَسِيَ كَيْفَ قِيلَ لَهُ.
(وَقَدْ رَأَيْتُنِي) بِضَمِّ التَّاءِ، وَفِيهِ عَمَلُ الْفِعْلِ فِي ضَمِيرَيِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَهُوَ الْمُتَكَلِّمُ، وَذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ أَيْ رَأَيْتُ نَفْسِي، (أَسْجُدُ مِنْ صُبْحَتِهَا) بِمَعْنَى فِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: ٩] (سُورَةُ الْجُمُعَةِ: الْآيَةُ ٩) ، أَوْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ الزَّمَانِيَّةِ، (فِي مَاءٍ وَطِينٍ) عَلَامَةٌ جُعِلَتْ لَهُ يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَيْهَا، ثُمَّ الْمُرَادُ أَنَّهُ نَسِيَ عِلْمَ تَعْيِينِهَا تِلْكَ السَّنَةِ لَا رَفْعَ وَجُودِهَا لِأَمْرِهِ بِطَلَبِهَا بِقَوْلِهِ: ( «فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ» ) مِنْ رَمَضَانَ، ( «وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ» ) مِنْهُ أَيْ أَوْتَارِ لَيَالِيهِ، وَأَوَّلُهَا لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ إِلَى آخَرِ لَيْلَةِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ، وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلُهُ الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحَدِّثْ بِمَا هُنَا جَازِمًا بِهِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ الْأَغْلَبُ فِي كُلِّ عَامٍ، وَيَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُهَا فَنُسِّيتُهَا وَهِيَ لَيْلَةُ مَطَرٍ وَرِيحٍ، أَوْ قَالَ قَطْرٍ وَرِيحٍ» .
(قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَمْطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ) ، يُقَالُ فِي اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ اللَّيْلَةُ إِلَى الزَّوَالِ فَيُقَالُ الْبَارِحَةَ.
وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ» " (وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ) أَيْ عَلَى مِثْلِ الْعَرِيشِ، وَإِلَّا فَالْعَرِيشُ هُوَ السَّقْفُ، أَيْ أَنَّهُ كَانَ مُظَلَّلًا بِالْخُوصِ وَالْجَرِيدِ وَلَمْ يَكُنْ مُحْكَمَ الْبِنَاءِ بِحَيْثُ يَكِنُّ مِنَ الْمَطَرِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: " «وَكَانَ السَّقْفُ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ» "، (فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ) أَيْ سَالَ مَاءُ الْمَطَرِ مِنْ سَقْفِهِ فَهُوَ مِنْ ذِكْرِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِ.
(قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ) تَوْكِيدٌ كَقَوْلِكَ: أَخَذْتُ بِيَدِي، وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي أَمْرٍ يَعِزُّ الْوُصُولُ إِلَيْهِ إِظْهَارًا لِلتَّعَجُّبِ مِنْ تِلْكَ الْحَالَةِ الْغَرِيبَةِ.
(رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ وَعَلَى جَبْهَتِهِ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: جَبِينِهِ (وَأَنْفِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ) صَلَاةِ (صُبْحِ لَيْلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ انْصَرَفَ، وَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute