وَرَجَّحَ الْحَافِظُ الثَّانِي لِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بِلَفْظِ: «الْتَمِسُوهَا فِي التِّسْعِ وَالسَّبْعِ وَالْخَمْسِ» أَيْ فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَسَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى كَذَا قَالَ. وَرِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ مُحْتَمَلَةٌ، وَرِوَايَةُ أَحْمَدَ نَصٌّ فِيمَا قَالَ مَالِكٌ، وَقَدْ قَالَ أَبُو عُمَرَ: كِلَاهُمَا مُحْتَمَلٌ إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «تَاسِعَةٍ تَبْقَى وَسَابِعَةٍ تَبْقَى وَخَامِسَةٍ تَبْقَى» " يَقْتَضِي الْقَوْلَ الْأَوَّلَ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: إِنَّكُمْ أَعْلَمُ بِالْعَدَدِ مِنَّا، قَالَ: أَجَلْ، قُلْتُ: مَا التَّاسِعَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ؟ قَالَ: إِذَا مَضَتْ إِحْدَى وَعِشْرُونَ فَالَّتِي تَلِيهَا التَّاسِعَةُ، فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ فَالَّتِي تَلِيهَا السَّابِعَةُ، فَإِذَا مَضَتْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ فَالَّتِي تَلِيهَا الْخَامِسَةُ انْتَهَى.
وَزَعَمَ الرَّوَافِضُ وَمَنْ ضَاهَاهُمْ أَنَّ الْمَعْنَى رُفِعَتْ أَصْلًا، أَيْ وُجُودُهَا وَهُوَ غَلَطٌ، فَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْتِمَاسِهَا.
وَلِلْبُخَارِيِّ: «فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا» لَكُمْ أَيْ لِأَنَّ إِخْفَاءَهَا مِمَّا يَسْتَدْعِي قِيَامَ كُلَّ شَهْرٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَقِيَ مَعْرِفَتُهَا بِعَيْنِهَا، وَأَخَذَ مِنْهُ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ اسْتِحْبَابَ كَتْمِهَا لِمَنْ رَآهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ لِنَبِيِّهِ أَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ بِهَا وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِيمَا قَدَّرَهُ لَهُ وَيُسْتَحَبُّ اتِّبَاعُهُ فِي ذَلِكَ، قَالَ: وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهَا كَرَامَةٌ، وَالْكَرَامَةُ يَنْبَغِي كَتْمُهَا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الطَّرِيقِ لِرُؤْيَةِ النَّفْسِ فَلَا يَأْمَنُ السَّلْبَ وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الرِّيَاءَ، وَلِلْأَدَبِ فَلَا يَتَشَاغَلُ عَنْ شُكْرِ اللَّهِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا وَذِكْرِهَا لِلنَّاسِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْحَسَدَ فَيُوقِعَ غَيْرَهُ فِي الْمَحْذُورِ وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ بِقَوْلِ يَعْقُوبَ: {يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} [يوسف: ٥] (سُورَةُ يُوسُفَ: الْآيَةُ ٥) الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي سَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِأَنَسٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ: خَالَفَ مَالِكًا أَكْثَرُ أَصْحَابِ حُمَيْدٍ فَرَوَوْهُ عَنْهُ عَنْ أَنَسٍ عَنْ عُبَادَةَ، وَصَوَّبَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِثْبَاتَ عُبَادَةَ وَأَنَّ الْحَدِيثَ مِنْ مُسْنَدِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute