وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ وَلَدَتْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَمَرَهَا أَبُو بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ ثُمَّ تُهِلَّ
ــ
٧١٠ - ٧٠٤ - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ وَلَدَتْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ) لَا يُنَافِيهِ الرِّوَايَتَانِ السَّابِقَتَانِ بِالشَّجَرَةِ وَبِالْبَيْدَاءِ لِأَنَّ الشَّجَرَةَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَالْبَيْدَاءُ بِطَرَفِهَا.
قَالَ عِيَاضٌ: يُحْتَمَلُ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِطَرَفِ الْبَيْدَاءِ لِتَبْعُدَ عَنِ النَّاسِ وَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حَقِيقَةً وَهُنَاكَ بَاتَ وَأَحْرَمَ فَسَمَّى مَنْزِلَ النَّاسِ كُلِّهِمْ بَاسِمِ مَنْزِلِ إِمَامِهِمْ، قَالَ: وَالشَّجَرَةُ كَانَتْ سَمُرَةً، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْزِلُهَا مِنَ الْمَدِينَةِ وَيُحْرِمُ مِنْهَا، وَهِيَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ.
(فَأَمَرَهَا أَبُو بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ ثُمَّ تُهِلَّ) بَعْدَ سُؤَالِهِ لِلْمُصْطَفَى وَأَمْرِهِ أَنْ يَأْمُرَهَا بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا وَقَفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَرَفَعَهُ الزُّهْرِيُّ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنِ اللَّيْثِ وَيُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُمْ أَخْبَرُوهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَكَانَتْ عَارِكًا - أَيْ نُفَسَاءَ - أَنْ تَغْتَسِلَ ثُمَّ تُهِلَّ بِالْحَجِّ» "، وَمَعْنَاهُ: أَمَرَهَا عَلَى لِسَانِ أَبِي بَكْرٍ كَمَا فِي الرِّوَايَاتِ السَّابِقَةِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّشَبُّهِ مِنْ أَهْلِ التَّقْصِيرِ بِأَهْلِ الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ وَالِاقْتِدَاءِ بِأَفْعَالِهِمْ طَمَعًا فِي دَرْكِ مَرَاتِبِهِمْ وَرَجَاءً لِمُشَارَكَتِهِمْ فِي نَيْلِ الْمَثُوبَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اغْتِسَالَ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ قَبْلَ أَوَانِ الطُّهْرِ لَا يُطَهِّرُهُمَا وَلَا يُخْرِجُهُمَا عَنْ حُكْمِ الْحَدَثِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِفَضِيلَةِ الْمَكَانِ وَالْوَقْتِ، وَمِنْ هَذَا أَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَسْلَمِيِّينَ أَنْ يُمْسِكُوا بَقِيَّةَ نَهَارِ عَاشُورَاءٍ عَنِ الطَّعَامِ، وَكَذَا الْقَادِمُ فِي بَعْضِ نَهَارِ الصَّوْمِ يُمْسِكُ بَقِيَّةَ نَهَارِهِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، وَعَادِمُ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَالْمَصْلُوبُ عَلَى خَشَبَةٍ وَالْمَحْبُوسُ فِي الْحُشِّ وَالْمَكَانِ الْقَذِرِ يُصَلُّونَ عَلَى حَسَبِ الطَّاقَةِ عِنْدَ بَعْضٍ، وَهَذَا بَابٌ غَرِيبٌ مِنَ الْعِلْمِ.
قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَهُ فِي اغْتِسَالِهِمَا التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْكَمَالِ وَهُنَّ الطَّاهِرَاتُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِنَّمَا هُوَ لِشُمُولِ الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ الْغَسْلُ لِأَجْلِهِ وَهُوَ التَّنْظِيفُ وَقَطْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ لِدَفْعِ أَذَاهَا عَنِ النَّاسِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمْ وَبِذَلِكَ عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً أَوْ عَجَزَ عَنِ اسْتِعْمَالِهِ تَيَمَّمَ كَمَا فِي الْأُمِّ، إِذْ لَا تَنْظِيفَ فِي التُّرَابِ لِأَنَّ التَّنْظِيفَ هُوَ أَصْلُ مَشْرُوعِيَّتِهِ لِلْإِحْرَامِ، فَلَا يُنَافِي قِيَامُ التُّرَابِ مَقَامَهُ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ، فَأَوْلَى الْمَسْنُونُ وَبَعْدَ اسْتِمْرَارِ الْحُكْمِ قَدْ لَا تُوجَدُ عِلَّتُهُ فِي بَعْضِ الْمَحَالِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute