ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ) لَمْ يُسَمَّ، (يَصُبُّ عَلَيْهِ) ، زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَضَّاحٍ: الْمَاءَ، (اصْبُبْ فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ حَرَّكَ) أَبُو أَيُّوبَ (رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ) بِالتَّثْنِيَةِ، (فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ) فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ مَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى نَتْفِ الشَّعْرِ، وَالْبَيَانُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْقَوْلِ.
(ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ) ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: فَأَمَرَّ أَبُو أَيُّوبَ بِيَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ جَمِيعًا عَلَى جَمِيعِ رَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ.
وَزَادَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمَا فَأَخْبَرْتُهُمَا، فَقَالَ الْمِسْوَرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لَا أُمَارِيكَ أَبَدًا أَيْ لَا أُجَادِلُكَ، وَفِيهِ رُجُوعُ الْمُخْتَلِفَيْنِ إِلَى مَنْ يَظُنَّانِ أَنَّ عِنْدَهُ عِلْمَ مَا اخْتَلَفَا فِيهِ، وَقَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَأَنَّهُ كَانَ مَشْهُورًا عِنْدَ الصَّحَابَةِ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَرْسَلَ ابْنَ حُنَيْنٍ لِيَسْأَلَ أَبَا أَيُّوبَ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ قَبُولُ خَبَرِ أَبِي أَيُّوبَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَبُولُ خَبَرِ ابْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، وَالرُّجُوعُ إِلَى النَّصِّ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ، وَتَرْكُ الِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاسِ عِنْدَ النَّصِّ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِيهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ إِذَا اخْتَلَفُوا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا حُجَّةٌ عَلَى الْآخَرِ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَأَنَّ حَدِيثَ: " أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ " مَحَلُّهُ فِي النَّقْلِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ أَهْلُ النَّظَرِ كَالْمُزْنِيِّ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ عَدْلٌ رَضِيٌّ لَا فِي الِاجْتِهَادِ وَالرَّأْيِ وَإِلَّا لَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِلْمَسْوَرِ: أَنْتَ نَجْمٌ وَأَنَا نَجْمٌ فَبِأَيِّنَا اقْتُدِيَ اهْتُدِيَ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى طَلَبِ الْبُرْهَانِ مِنَ السُّنَّةِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ، وَكَذَا حُكْمُ سَائِرِ الصَّحَابَةِ إِذَا اخْتَلَفُوا، وَفِيهِ الِاسْتِعَانَةُ فِي الطِّهَارَةِ لِقَوْلِهِ اصْبُبْ، قَالَ عِيَاضٌ: وَالْأَوْلَى تَرْكُهَا إِلَّا لِحَاجَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَرَدَ فِي الِاسْتِعَانَةِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ، وَفِي تَرْكِهَا شَيْءٌ لَا يُقَابِلُهَا فِي الصِّحَّةِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عِنْدَ مُسْلِمٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute