(اصْبُبْ عَلَى رَأْسِي، فَقَالَ يَعْلَى: أَتُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَهَا بِي) ، قَالَ الْبَوْنِيُّ: أَيْ تَجْعَلَنِي أُفْتِيكَ وَتُنَحِّي الْفُتْيَا عَنْ نَفْسِكَ إِنْ كَانَ فِي هَذَا شَيْءٌ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: مَعْنَاهُ إِنَّمَا أَفْعَلُهُ طَوْعًا لَكَ لِفَضْلِكَ وَأَمَانَتِكَ وَلَا أَرَى لِي فِيهِ انْتَهَى.
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: أَيِ الْفِدْيَةَ إِنْ مَاتَ شَيْءٌ مِنْ دَوَابِّ رَأْسِكَ أَوْ زَالَ شَيْءٌ مِنَ الشَّعَرِ لَزِمَتْنِي الْفِدْيَةُ فَإِنْ أَمَرْتَنِي كَانَتْ عَلَيْكَ، (إِنْ أَمَرْتَنِي صَبَبْتُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اصْبُبْ فَلَنْ يَزِيدَهُ الْمَاءُ إِلَّا شَعَثًا) لِأَنَّ الْمَاءَ يُلَبِّدُ الشَّعَرَ وَيَدْخُلُهُ مَعَ ذَلِكَ الْغُبَارُ، فَأَخْبَرَهُ عُمَرُ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَى الْفَاعِلِ وَلَا عَلَى الْآمِرِ بِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ غُسْلَهُ لَمْ يَكُنْ لِجَنَابَةٍ، إِذِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا كَانَ جُنُبًا أَوِ الْمَرْأَةَ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ وَطَهُرَتْ يَغْسِلُ رَأْسَهُ، وَاخْتُلِفَ فِي غُسْلِ الْمُحْرِمِ تَبَرُّدًا أَوْ غَسْلِ رَأْسِهِ فَأَجَازَهُ الْجُمْهُورُ بِلَا كَرَاهَةٍ كَمَا قَالَ عُمَرُ: لَا يَزِيدُهُ الْمَاءُ إِلَّا شَعَثًا.
قَالَ عِيَاضٌ: وَتُئُوِّلَ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُهُ وَتُئُوِّلَ عَلَيْهِ الْكَرَاهَةُ أَيْضًا وَقَدْ كَرِهَ غَمْرَ الْمُحْرِمِ رَأَسَهُ فِي الْمَاءِ، وَعُلِّلَتِ الْكَرَاهَةُ بِأَنَّهُ فِي تَحْرِيكِ يَدِهِ عَلَيْهِ فِي غَسْلِهِ أَوْ فِي غَمْسِهِ قَدْ يَقْتُلُ بَعْضَ الدَّوَابِّ أَوْ يُسْقِطُ بَعْضَ الشَّعَرِ، وَقِيلَ: لَعَلَّهُ رَآهُ مِنْ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ، وَكَرِهَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ غَسْلَ الرَّأْسِ بِالْخَطْمِيِّ وَالسِّدْرِ، وَأَوْجَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِيهِ الْفِدْيَةَ، وَأَجَازَهُ بَعْضُ السَّلَفِ إِذَا كَانَ مُلَبَّدًا انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَنْتِفِ الشَّعَرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute