يُقْصَدُ لِلتَّطَيُّبِ بِهِ، أَمَّا الْفَوَاكِهُ كَالْأُتْرُجِّ وَالتُّفَّاحِ وَأَزْهَارِ الْبَرِّ كَالشِّيحِ وَالْقَيْصُومِ وَنَحْوِهِمَا فَلَيْسَ بِحَرَامٍ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ لِلتَّطَيُّبِ انْتَهَى.
لَكِنْ فِي حِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ فِي الْمَأْكُولِ الْمُطَيَّبِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِيهِ خِلَافًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا يَحْرُمُ لِأَنَّ الْوَارِدَ اللُّبْسُ وَالتَّطَيُّبُ وَالْأَكْلُ لَا يُعَدُّ تَطَيُّبًا.
قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَالْحِكْمَةُ فِي مَنْعِ الْمُحْرِمِ مِنَ اللِّبَاسِ وَالطِّيبِ أَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجِمَاعِ وَلِأَنَّهُ مُنَافٍ لِلْحَجِّ، فَإِنَّ الْحَاجَّ أَغْبَرُ، وَالْقَصْدُ عَنْ أَنْ يَبْعُدَ عَنِ التَّرَفُّهِ وَزِينَةِ الدُّنْيَا وَمَلَاذِّهَا وَيَنْجَمِعَ هَمُّهُ لِمَقَاصِدِ الْآخِرَةِ وَالِاتِّصَافِ بِصِفَةِ الْخَاشِعِ، وَلِيَتَذَكَّرَ الْقُدُومَ عَلَى رَبِّهِ فَيَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى مُرَاقَبَتِهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنِ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ، وَلِيَتَذَكَّرَ بِهِ الْمَوْتَ وَلُبْسَ الْأَكْفَانِ، وَيَتَذَكَّرَ الْبَعْثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً وَلِيَتَفَاءَلَ بِتَجَرُّدِهِ عَنْ ذُنُوبِهِ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ، السِّتَّةُ عَنْ مَالِكٍ وَلَهُ طُرُقٌ عِنْدَهُمْ.
(قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّا ذُكِرَ) فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ (عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ) مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، ( «وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ» ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَا يَجِدُ الْإِزَارَ وَالْخُفُّ لِمَنْ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ» "، (فَقَالَ لَمْ أَسْمَعْ بِهَذَا وَلَا أَرَى أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ سَرَاوِيلَ) عَلَى صِفَةِ لُبْسِهَا بِلَا فَتْقٍ (لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى) فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (عَنْ لُبْسِ السَّرَاوِيلَاتِ فِيمَا نَهَى عَنْهُ مَنْ لُبِسَ الثِّيَابِ الَّتِي لَا يَنْبَغِي) لَا يَجُوزُ (لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَسَهَا وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِيهَا كَمَا اسْتَثْنَى فِي الْخُفَّيْنِ) فَيُحْمَلُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ عَلَى مَا إِذَا فَتَقَهُ وَجَعَلَ مِنْهُ شِبْهَ إِزَارٍ فَيَجُوزُ كَمَا جَازَ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ أَوْ عَلَى حَالِهِ لِضَرُورَةِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَلَكِنْ تَجِبُ الْفِدْيَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ كَمَا لَوِ اضْطُرَّ إِلَى تَغْطِيَةِ رَأْسِهِ فَيُغَطِّيهَا وَيَفْتَدِي جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَشَارَ إِلَيْهِمَا عِيَاضٌ، وَقَوْلُ الْخَطَّابِيِّ: الْأَصْلُ أَنَّ تَضْيِيعَ الْمَالِ حَرَامٌ، وَالرُّخْصَةُ جَاءَتْ فِي اللُّبْسِ، فَظَاهِرُهَا إِبَاحَةُ اللُّبْسِ الْمُعْتَادِ إِبَاحَةً لَا تَقْتَضِي غَرَامَةً، وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ، فَإِذَا فَتَقَ السِّرْوَالَ وَاتَّزَرَ بِهِ لَمْ يَسْتُرْهَا وَالْخُفُّ لَا يُغَطِّي عَوْرَةً إِنَّمَا هُوَ لِبَاسُ رِفْقٍ وَزِينَةٍ فَلَا يَشْتَبِهَانِ فِيهِ نَظَرٌ، فَالْمَانِعُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ الَّذِي قَالَ بِهِ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَأَنَّهُ لَا فِدْيَةَ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْهَا، وَزَعْمُهُ أَنَّهَا لَا تَسْتُرُ الْعَوْرَةَ إِنْ فُتِقَتْ وَاتَّزَرَ بِهَا مُكَابَرَةٌ، وَالْغَرَامَةُ لِلْمُحْرِمِ بِالْفِدْيَةِ مَعْهُودَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute