وَمَاتَ بِالْجُحْفَةِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، (مُحْرِمًا وَخَمَّرَ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ) غَطَّاهُمَا، (وَقَالَ: لَوْلَا أَنَّا حُرُمٌ) بِضَمَّتَيْنِ مُحْرِمُونَ (لَطَيَّبْنَاهُ) بِالْحَنُوطِ وَنَحْوِهِ.
(قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يَعْمَلُ الرَّجُلُ) بِالتَّكَالِيفِ (مَا دَامَ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ فَقَدِ انْقَضَى الْعَمَلُ) فَلَا يُمْتَنَعُ تَطْيِيبُ الْمَيِّتِ الْمُحْرِمِ وَلَا تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَتْبَاعُهُمَا، وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «وَقَصَتْ بِرَجُلٍ مُحْرِمٍ نَاقَتُهُ فَقَتَلَتْهُ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اغْسِلُوهُ وَكَفِّنُوهُ وَلَا تُغَطُّوا رَأْسَهُ وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فَإِنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا» " بِأَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا لِأَنَّهُ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا، وَهَذَا الْأَمْرُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِهِ وُجُودُهُ فَيَكُونُ خَاصًّا بِذَلِكَ الرَّجُلِ، وَلَوِ اسْتَمَرَّ بَقَاؤُهُ عَلَى إِحْرَامِهِ لَأَمَرَ بِقَضَاءِ بَقِيَّةِ مَنَاسِكِهِ، وَلَوْ أُرِيدَ التَّحْرِيمُ فِي كُلِّ مُحْرِمٍ لَقَالَ: فَإِنَّ الْمُحْرِمَ كَمَا قَالَ: «إِنَّ الشَّهِيدَ يُبْعَثُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا» ، وَجَوَابُ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ لِوَاحِدٍ فِي الزَّمَنِ النَّبَوِيِّ ثَبَتَ لِغَيْرِهِ حَتَّى يَظْهَرَ التَّخْصِيصَ فِيهِ تَعَسُّفٌ، إِذِ التَّخْصِيصُ ظَاهِرٌ مِنَ التَّعْلِيلِ، وَالْعُدُولُ عَنْ أَنْ يَقُولَ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ سَلَّمْنَا عَدَمَ ظُهُورِهِ فَوَقَائِعُ الْعَيْنِ لَا عُمُومَ لَهَا لِمَا يَطْرُقُهَا مِنَ الِاحْتِمَالِ وَذَلِكَ كَافٍ فِي إِبْطَالِ الِاسْتِدْلَالِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute