سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ عَلِيٌّ: " مَا تُرِيدُ إِلَى أَنْ تَنْهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: دَعْنَا عَنْكَ، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَكَ "، (فَقَالَ عُثْمَانُ: ذَلِكَ رَأْيِي فَخَرَجَ عَلِيٌّ مُغْضَبًا) لِأَنَّ مُعَارَضَةَ النَّصِّ بِالرَّأْيِ شَدِيدَةٌ عِنْدَهُمْ، (وَهُوَ يَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا) ، وَلِلنَّسَائِيِّ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ فَقَالَ عُثْمَانُ: " تَرَانِي أَنْهَى النَّاسَ وَأَنْتَ تَفْعَلُهُ؟ قَالَ: مَا كُنْتُ أَدَعُ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ أَحَدٍ "، وَلِلنَّسَائِيِّ أَيْضًا: مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ عُثْمَانَ رَجَعَ عَنِ النَّهْيِ وَلَفْظُهُ، فَلَبَّى عَلِيٌّ فَلَمْ يَنْهَهُمْ عُثْمَانُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَتَّعَ؟ قَالَ: بَلَى.
وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي بِهِمَا جَمِيعًا.
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ أَيْ عُثْمَانُ: بَلَى وَلَكِنْ كُنَّا خَائِفِينَ.
قَالَ الْحَافِظُ: هِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ، فَقَدْ رَوَى الْحَدِيثَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَهُمَا أَعْلَمُ مِنِ ابْنِ شَقِيقٍ فَلَمْ يَقُولَا ذَلِكَ، وَالتَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ إِنَّمَا كَانَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَا خَوْفَ فِيهَا.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: كُنَّا آمَنَ مَا يَكُونُ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَوْلُهُ " خَائِفِينَ " أَيْ: مِنْ أَنْ يَكُونَ مَنْ أَفْرَدَ أَكْثَرَ أَجْرًا مِمَّنْ تَمَتَّعَ، وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ عَلَى بُعْدِهِ انْتَهَى.
وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا، وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ قَالَ: مَا كُنْتُ أَدَعُ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ أَحَدٍ، فَفِيهِ أَنَّهُ نَهْيٌ عَنِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ مَعًا، أَوْ عَطْفٌ مُسَاوٍ عَلَى مَا مَرَّ أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يُطْلِقُونَ عَلَى الْقِرَانِ تَمَتُّعًا لِأَنَّ الْقَارِنَ يَتَمَتَّعُ بِتَرْكِ السَّفَرِ مَرَّتَيْنِ، وَفِي قِصَّةِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ مِنَ الْفَوَائِدِ إِشَاعَةُ الْعَالِمِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ وَإِظْهَارُهُ، وَمُنَاظَرَةُ وُلَاةِ الْأُمُورِ وَغَيْرِهِمْ فِي تَحْقِيقِهِ لِمَنْ قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ لِقَصْدِ مُنَاصَحَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْبَيَانُ بِالْفِعْلِ مَعَ الْقَوْلِ، وَجَوَازُ الِاسْتِنْبَاطِ مِنَ النَّصِّ، لِأَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ جَوَازُ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُمَا لِيُعْمَلَ بِالْأَفْضَلِ كَمَا وَقَعَ لِعُمْرَ، لَكِنْ خَشِيَ عَلِيٌّ أَنْ يَحْمِلَ غَيْرُهُ النَّهْيَ عَلَى التَّحْرِيمِ فَأَشَاعَ جَوَازَ ذَلِكَ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُجْتَهِدٌ مَأْجُورٌ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُلْزِمُ مُجْتَهِدًا آخَرَ بِتَقْلِيدِهِ لِعَدَمِ إِنْكَارِ عُثْمَانَ مَعَ أَنَّهُ الْإِمَامُ حِينَئِذٍ عَلَى عَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
(قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ) أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا أَوْ أَرْدَفَهُ بِطَوَافِهَا (لَمْ يَأْخُذْ مَنْ شَعَرِهِ شَيْئًا وَلَمْ يَحْلِلْ) بِكَسْرِ اللَّامِ (مِنْ شَيْءٍ) لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ (حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيًا إِنْ كَانَ مَعَهُ وَيَحِلَّ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ) بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute