أَنَسٍ وَلَا غَيْرِهِ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ (أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُمَا غَادِيَانِ) جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ ذَاهِبَانِ غَدْوَةً (مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ) أَيْ مِنَ الذِّكْرِ طُولَ الطَّرِيقِ (فِي هَذَا الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟) وَأَسْلَمُ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قُلْتُ لِأَنَسٍ غَدَاةَ عَرَفَةَ: مَا تَقُولُ فِي التَّلْبِيَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ؟ (قَالَ: كَانَ يُهِلُّ الْمُهِلُّ مِنَّا) أَيْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ، (فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ.
وَفِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: لَا يَعِيبُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ.
وَفِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «غَدَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتٍ مِنَّا الْمُلَبِّي وَمِنَّا الْمُكَبِّرُ» .
(وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ فِيهِمَا أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ كَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَاقْتَصَرَ الْحَافِظُ عَلَى الثَّانِي.
قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ أَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْغُدُوِّ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتٍ التَّلْبِيَةُ فَقَطْ.
وَحَكَى الْمُنْذِرِيُّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ لَكِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ التَّكْبِيرِ عَلَى التَّلْبِيَةِ بَلْ عَلَى جَوَازِهِ فَقَطْ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ تَقْرِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّكْبِيرِ، وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، فَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ الصَّرِيحُ عَلَى أَنَّ التَّلْبِيَةَ حِينَئِذٍ أَفْضَلُ لِمُدَاوَمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ تَكْبِيرَهُ هَذَا كَانَ ذِكْرًا يَتَخَلَّلُ التَّلْبِيَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ لَهَا وَفِيهِ بُعْدٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْعِيدِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَدَاةِ عَرَفَةِ فَمِنَّا الْمُكَبِّرُ وَمِنَّا الْمُهِلُّ، فَأَمَّا نَحْنُ فَنُكَبِّرُ» ، قَالَ قُلْتُ: وَاللَّهِ لَعَجَبًا مِنْكُمْ كَيْفَ لَمْ تَقُولُوا لَهُ مَاذَا رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ يَصْنَعُ؟ وَأَرَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بِذَلِكَ الْوُقُوفَ عَلَى الْأَفْضَلِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالتَّلْبِيَةِ مِنْ تَقْرِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ فَأَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ مَا كَانَ يَصْنَعُ هُوَ لِيَعْرِفَ الْأَفْضَلَ مِنْهُمَا وَالَّذِي كَانَ يَصْنَعُهُ هُوَ التَّلْبِيَةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute