وَهُوَ وَهْمٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْغَسَّانِيُّ، وَمَنْ تَبِعَهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَجَمِيعُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى مُسْلِمٍ، وَالصَّوَابُ مَا فِي الْبُخَارِيِّ، وَهُوَ الْمَوْجُودُ عِنْدَ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ أَنَّ زِيَادًا (كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَيُرْوَى بِكَسْرِهَا (قَالَ: مَنْ أَهْدَى هَدْيًا) ، أَيْ بَعَثَهُ إِلَى مَكَّةَ، (حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ) مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ (حَتَّى يُنْحَرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، (الْهَدْيُ) بِالرَّفْعِ، نَائِبُ الْفَاعِلِ، (وَقَدْ بَعَثْتُ بِهَدْيٍ، فَاكْتُبِي إِلَيَّ بِأَمْرِكِ، أَوْ مُرِي صَاحِبَ الْهَدْيِ) ، أَيِ الَّذِي مَعَهُ الْهَدْيُ بِمَا يَصْنَعُ، وَكَأَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهَا لَمَّا بَلَغَهُ إِنْكَارُهَا عَلَيْهِ.
رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عَائِشَةَ، وَقِيلَ لَهَا إِنَّ زِيَادًا إِذَا بَعَثَ بِالْهَدْيِ أَمْسَكَ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ، حَتَّى يُنْحَرَ هَدْيُهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَوَلَهُ كَعْبَةٌ يَطُوفُ بِهَا؟ (قَالَتْ عَمْرَةُ) بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ (قَالَتْ عَائِشَةُ: لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيَّ) - بِفَتْحِ الدَّالِ وَشَدِّ الْيَاءِ - وَفِي رِوَايَةٍ بِالْإِفْرَادِ عَلَى إِرَادَةِ الْجِنْسِ، وَفِيهِ رَفْعٌ مَجَازٌ أَنْ تَكُونَ أَرَادَتْ أَنَّهَا فَتَلَتْ بِأَمْرِهَا، (ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ) الشَّرِيفَةِ، (ثُمَّ بَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَبِي) - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ - تُرِيدُ أَبَاهَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، فَأَفَادَتْ أَنَّ وَقْتَ الْبَعْثِ كَانَ سَنَةَ تِسْعٍ عَامَ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: أَرَادَتْ عَائِشَةُ بِذَلِكَ عِلْمَهَا بِجَمِيعِ الْقِصَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ أَنَّهُ آخِرُ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ حَجَّ فِي الْعَامِ الَّذِي يَلِيهِ حَجَّةُ الْوَدَاعِ، لِئَلَّا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ، فَأَرَادَتْ إِزَالَةَ هَذَا اللَّبْسِ، وَأَكْمَلَتْ ذَلِكَ بِقَوْلِهَا: (فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ) ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، فَأَصْبَحَ فِينَا حَلَالًا يَأْتِي مَا يَأْتِي الْحَلَالُ مِنْ أَهْلِهِ، (حَتَّى نُحِرَ الْهَدْيُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ وَانْقَضَى أَمْرُهُ وَلَمْ يُحْرِمْ، وَبُعْدُ ذَلِكَ أَوْلَى، لِأَنَّهُ إِذَا انْتَفَى فِي وَقْتِ الشُّبْهَةِ، فَلَأَنْ تَنْتَفِيَ عِنْدَ انْتِفَائِهَا أَوْلَى، وَحَاصِلُ اعْتِرَاضِهَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَاسَ التَّوْلِيَةَ فِي أَمْرِ الْهَدْيِ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ لَهُ، فَبَيَّنَتْ أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ لَا اعْتِبَارَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ هَذِهِ السُّنَّةِ الظَّاهِرَةِ، وَقَدْ وَافَقَ ابْنَ عَبَّاسٍ ابْنُ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ الْمُنْذِرِ، وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَآخَرُونَ لِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ، وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " «كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدَّ قَمِيصَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute