وَعُمْرَةُ الْقَضِيَّةِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْبَرَاءِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " «اعْتَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ مَرَّتَيْنِ» " فَكَأَنَّهُ لَمْ يَعُدَّ الَّتِي فِي حَجَّتِهِ، لِكَوْنِهَا فِي ذِي الْحَجَّةِ، وَحَدِيثُهُ مُقَيَّدٌ بِذِي الْقَعْدَةِ، وَلَمْ يَعُدَّ الَّتِي صُدَّ عَنْهَا، وَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْقَعْدَةِ أَوْ عَدَّهَا، وَلَمْ يَعُدَّ عُمْرَةَ الْجِعْرَانَةِ لِخَفَائِهَا عَلَيْهِ، كَمَا خَفِيَتْ عَلَى غَيْرِهِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ مُحَرَّشٌ الْكَعْبِيُّ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «اعْتَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَ عُمَرَاتٍ: إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ» .
قَالَتْ عَائِشَةُ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا اعْتَمَرَ إِلَّا وَهُوَ شَاهِدُهُ، وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ "، زَادَ مُسْلِمٌ: وَابْنُ عُمَرَ يَسْمَعُ، فَمَا قَالَ لَا، وَلَا نَعَمْ، سَكَتَ فَسُكُوتُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَوْ نَسِيَ، أَوْ شَكَّ، وَأَنَّهُ رَجَعَ لِصَوَابِهَا، فَلَا يُشْكِلُ بِأَنَّ تَقْدِيمَ قَوْلِ عَائِشَةَ - النَّافِي - عَلَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - الْمُثْبِتِ - خِلَافُ الْقَاعِدَةِ، وَتَعَسَّفَ مَنْ قَالَ: مُرَادُ ابْنِ عُمَرَ بِقَوْلِهِ: فِي رَجَبٍ قَبْلَ هِجْرَتِهِ، لِأَنَّهُ وَإِنِ احْتَمَلَ، لَكِنَّ قَوْلَهَا: مَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ، يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ مُطَابَقَةِ رَدِّهَا عَلَيْهِ، وَسُكُوتِهِ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ بَيَّنَتِ الْأَرْبَعَ، وَأَنَّهَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ، فَمَا الَّذِي يَمْنَعُهُ أَنْ يُفْصِحَ بِمُرَادِهِ، فَيَرْتَفِعَ الْإِشْكَالُ، وَقَوْلُ هَذَا الْقَائِلِ: لِأَنَّ قُرَيْشًا كَانُوا يَعْتَمِرُونَ فِي رَجَبٍ، يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ، وَعَلَى تَقْدِيرِهِ، فَمِنْ أَيْنَ أَنَّهُ وَافَقَهُمْ؟ وَهَبْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَافَقَهُمْ فَكَيْفَ اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ؟ وَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ، عَنْ عَائِشَةَ: " «خَرَجَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ، فَأَفْطَرَ وَصُمْتُ، وَقَصَرَ وَأَتْمَمْتُ» " الْحَدِيثَ، فَقَالَ فِي الْهَدْيِ: إِنَّهُ غَلِطَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْتَمِرْ فِي رَمَضَانَ.
قَالَ الْحَافِظُ: وَيُمْكِنُ أَنَّ قَوْلَهَا: فِي رَمَضَانَ، مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهَا: خَرَجْتُ، وَالْمُرَادُ: سَفَرُ مَكَّةَ، وَاعْتَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِنَ الْجِعْرَانَةِ، لَكِنْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ آخَرَ، فَلَمْ يَقُلْ فِي رَمَضَانَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute