أَبِي وَقَّاصٍ) ، مَالِكٍ الزُّهْرِيِّ، (وَالضِّحَاكَ بْنَ قَيْسِ) بْنِ خَالِدِ بْنِ وَهْبٍ الْفِهْرَيَّ، الْأَمِيرَ الْمَشْهُورَ، صَحَابِيٌّ قُتِلَ فِي وَقْعَةِ مَرْجِ رَاهِطٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ، (عَامَ حَجِّ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ) ، وَكَانَ أَوَّلُ حَجَّةٍ حَجَّهَا بَعْدَ الْخِلَافَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَآخِرُ حَجَّةٍ حَجَّهَا، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ، ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَالْمُرَادُ الْأُولَى، لِأَنَّ سَعْدًا مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الصَّحِيحِ.
(وَهُمَا يَذْكُرَانِ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) ، أَيِ الْإِحْرَامَ، بِأَنْ يُحْرِمَ بِهَا فِي أَشْهُرِهِ، (فَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ: لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ جَهِلَ أَمْرَ اللَّهِ) ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ: ١٩٦) ، فَأَمْرُهُ بِالْإِتْمَامِ يَقْتَضِي اسْتِمْرَارَ الْإِحْرَامِ إِلَى فَرَاغِ الْحَجِّ، وَمَنْعَ التَّحَلُّلِ، وَالْمُتَمَتِّعُ يَتَحَلَّلُ وَيَسْتَمْتِعُ بِمَا كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِ، (فَقَالَ سَعْدٌ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أَخِي) ، مُلَاطَفَةً، وَتَأْنِيسًا، (فَقَالَ الضَّحَّاكُ: فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ) ، أَيِ التَّمَتُّعِ، رَوَى الشَّيْخَانِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى: كُنْتُ أُفْتِي النَّاسَ بِذَلِكَ، أَيْ بِجَوَازِ التَّمَتُّعِ فِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَإِنِّي لَقَائِمٌ بِالْمَوْسِمِ إِذْ جَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ لَمَّا قَدِمَ، قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا أَحْدَثْتَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ؟ قَالَ: أَنْ نَأْخُذَ بِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ، قَالَ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] ، وَأَنْ نَأْخُذَ بِسُنَّةِ نَبِيِّنَا فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ.
وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا، فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ فَعَلَهُ، وَأَصْحَابُهُ، وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ تَظَلُّوا مُعَرِّسِينَ بِهِنَّ، أَيِ النِّسَاءِ فِي الْأَرَاكِ، ثُمَّ تُرَوِّحُونَ فِي الْحَجِّ تَقْطُرُ رُءُوسُهُمْ، فَبَيَّنَ عُمَرُ الْعِلَّةَ الَّتِي لِأَجْلِهَا كَرِهَ التَّمَتُّعَ، وَكَانَ مِنْ رَأْيِهِ، عَدَمُ التَّرَفُّهِ لِلْحَاجِّ بِكُلِّ طَرِيقٍ، فَكَرِهَ قُرْبَ عَهْدِهِمْ بِالنِّسَاءِ ; لِئَلَّا يَسْتَمِرَّ الْبَلَلُ إِلَى ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَنْ بَعُدَ عَهْدُهُ بِهِ، وَمَنْ يَنْفَطِمُ.
(فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ) ، وَهُوَ الْحُجَّةُ الْمُقَدَّمَةُ عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ بِالرَّأْيِ، فَإِنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ إِتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَذَلِكَ صَادِقٌ بِأَنْوَاعِ الْإِحْرَامِ الثَّلَاثَةِ.
وَأَمَّا فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ أَجَابَ هُوَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ أَنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الْإِحْلَالِ لِمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ.
قَالَ الْمَازِرِيُّ: قِيلَ: الْمُتْعَةُ الَّتِي نَهَى عَنْهَا عُمَرُ، فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ، وَقِيلَ: الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ الْحَجُّ، قَالَ عِيَاضٌ: وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَلِذَا كَانَ يَضْرِبُ النَّاسَ عَلَيْهَا كَمَا فِي مُسْلِمٍ، بِنَاءً عَلَى مُعْتَقَدِهِ أَنَّ الْفَسْخَ كَانَ خَاصٌّ بِالصَّحَابَةِ فِي سَنَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَطْ.
وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ عُمَرُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَزَلَ مَنَازِلَهُ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} [البقرة: ١٩٦]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute