هَذَا الْبَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ " إِذِ الْمَعْنَى: حَجَّ، ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا عَطَفَهُ بِالْفَاءِ الْمُشْعِرَةِ بِالتَّعْقِيبِ، وَإِذَا فُسِّرَ بِذَلِكَ كَانَ الْحَدِيثَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَتَفْسِيرُ الْحَدِيثِ بِالْحَدِيثِ أَوْلَى، وَيَكُونُ الرُّجُوعُ بِلَا ذَنْبٍ، كِنَايَةً عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ مَعَ السَّابِقِينَ.
(لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ) ، أَيْ لَا يَقْتَصِرُ لِصَاحِبِهِ مِنَ الْجَزَاءِ عَلَى تَكْفِيرِ بَعْضِ ذُنُوبِهِ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، مَرْفُوعًا: " «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ مُتَابَعَةً بَيْنَهُمَا تَنْفِي الذُّنُوبَ، وَالْفَقْرَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجِّ الْمَبْرُورِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةَ» "، قَالَ ابْنُ بَزِيزَةَ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: شَرْطُ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ طِيبُ النَّفَقَةِ فِيهِ، قِيلَ لِمَالِكٍ: رَجُلٌ سَرَقَ مَالًا، فَتَزَوَّجَ بِهِ أَيُضَارِعُ الزِّنَى؟ قَالَ: إِي وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَسُئِلَ عَمَّنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ، قَالَ: حَجُّهُ مُجْزٍ، وَيَأْثَمُ بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ، وَبِالْحَقِيقَةِ لَا يَرْقَى إِلَى الْعَالَمِ الْمُطَهَّرِ إِلَّا الْمُطَهَّرُ، فَالْقَبُولُ أَخَصُّ مِنَ الْإِجْزَاءِ، لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ سُقُوطِ الْقَضَاءِ، وَالْقَبُولُ عِبَارَةٌ عَنْ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَى الْفِعْلِ فَلِذَا قَالَ: يُجْزِي، وَهُوَ إِثْمٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا، عَنْ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَغَيْرُهُمَا عَنْ سُمَيٍّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute