رُجُوعِ كَعْبٍ عَنْ هَذَا، فَرَوَى الشَّافِعِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، أَوْ حَسَنٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ: " أَقْبَلْنَا مَعَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ فِي أُنَاسٍ مُحْرِمِينَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِعُمْرَةٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، وَكَعْبٌ عَلَى نَارٍ يَصْطَلِي، فَمَرَّتْ بِهِ رِجْلُ جَرَادٍ، فَأَخَذَ جَرَادَتَيْنِ فَقَتَلَهُمَا، وَكَانَ قَدْ نَسِيَ إِحْرَامَهُ، ثُمَّ ذَكَرَهُ فَأَلْقَاهُمَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ عَلَى عُمَرَ، قَصَّ عَلَيْهِ كَعْبٌ قِصَّةَ الْجَرَادَتَيْنِ، فَقَالَ: مَا جَعَلْتَ عَلَى نَفْسِكَ؟ قَالَ: دِرْهَمَيْنِ، قَالَ: بَخٍ دِرْهَمَانِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ جَرَادَةٍ " نَعَمْ، لَوْ عَمَّ الْجَرَادُ الْمَسَالِكَ، وَلَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ وَطْئِهِ، فَلَا ضَمَانَ وَلْيَتَحَفَّظْ مِنْهُ.
وَقَدْ تَوَقَّفَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي أَنَّهُ مِنْ نَثْرَةِ حُوتٍ بِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ تَدْفَعُهُ.
وَقَدْ رَوَى السَّاجِيُّ عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: خَرَجَ أَوَّلُهُ مِنْ مَنْخَرِ حُوتٍ، فَأَفَادَ أَنَّ أَوَّلَ خَلْقِهِ مِنْ ذَلِكَ، لَا تُعْلَمُ صِحَّتُهُ، وَلَمْ يُكَذِّبْهُ عُمَرُ، وَلَا صَدَّقَهُ، لِأَنَّهُ خَشِيَ أَنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ مِنَ التَّوْرَاةِ، وَالسُّنَّةُ فِيمَا حَدَّثُوا بِهِ أَنْ لَا يُصَدَّقُوا، وَلَا يُكَذَّبُوا لِئَلَّا يُكَذَّبُوا فِي حَقٍّ جَاءُوا بِهِ، أَوْ يُصَدَّقُوا فِي بَاطِلٍ اخْتَلَقَهُ أَوَائِلُهُمْ وَحَرَّفُوهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ.
(وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّا يُوجَدُ مِنْ لُحُومِ الصَّيْدِ عَلَى الطَّرِيقِ هَلْ يَبْتَاعُهُ) ; يَشْتَرِيهِ (الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: أَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ يَعْتَرِضُ) - يَقْصِدُ (بِهِ - الْحَاجُّ وَمِنْ أَجْلِهِمْ صِيدَ، فَإِنِّي أَكْرَهُهُ) تَحْرِيمًا، (وَأَنْهَى عَنْهُ) تَحْرِيمًا، وَكَأَنَّهُ أَتَى بِهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالْكَرَاهَةِ: التَّحْرِيمُ، (فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ رَجُلٍ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْمُحْرِمِينَ) بِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، (فَوَجَدَهُ مُحْرِمٌ، فَابْتَاعَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ) ، أَيْ يَجُوزُ لَهُ شِرَاؤُهُ، (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَحْرَمَ وَعِنْدَهُ صَيْدٌ صَادَهُ، أَوِ ابْتَاعَهُ: فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ) إِذَا كَانَ فِي بَيْتِهِ، (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ) ، أَيْ يُبْقِيهِ عِنْدَهُمْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَبْعَثُ بِهِ بَعْدَ إِحْرَامِهِ، وَهُوَ مَعَهُ إِلَى أَهْلِهِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَذَا لِيَحْيَى وَطَائِفَةٍ.
وَزَادَ ابْنُ وَهْبٍ، وَطَائِفَةٌ فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَحْرَمَ، وَعِنْدَهُ شَيْءٌ مِنَ الصَّيْدِ قَدِ اسْتَأْنَسَ وَدَجَنَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِنْ تَرَكَهُ فِي أَهْلِهِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنِ الْحَلَالِ يَصِيدُ الصَّيْدَ، أَوْ يَشْتَرِيهِ، ثُمَّ يُحْرِمُ وَهُوَ مَعَهُ فِي قَفَصٍ، فَقَالَ: يُرْسِلُهُ بَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ وَلَا يُمْسِكَهُ بَعْدَ إِحْرَامِهِ.
فَتَحْصِيلُ قَوْلِ مَالِكٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ الصَّيْدُ حِينَ إِحْرَامِهِ أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَهْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَأَحْمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute