بْنِ جَثَّامَةَ ( «أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِمَارًا وَحْشِيًّا» ) لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا فِي هَذَا، وَتَابَعَهُ مَعْمَرٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ، وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَاللَّيْثُ بْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، وَيُونُسُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ كُلُّهُمْ، قَالُوا: " حِمَارًا وَحْشِيًّا " كَمَا قَالَ مَالِكٌ، وَخَالَفَهُمْ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَقَالَ: " «أَهْدَيْتُ لَهُ مِنْ لَحْمِ حِمَارِ وَحْشٍ» "، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَلَهُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " رِجْلَ حِمَارِ وَحْشٍ "، وَلَهُ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ: " عَجُزَ حِمَارِ وَحْشٍ يَقْطُرُ دَمًا "، وَفِي أُخْرَى لَهُ: " شِقَّ حِمَارِ وَحْشٍ "، فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ عَقِيرٌ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا أَهْدَى بَعْضَهُ، لَا كُلَّهُ، وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ رِجْلٍ، وَعَجُزٍ، وَشِقٍّ، لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَهْدَى رِجْلًا مَعَهَا الْفَخِذُ، وَبَعْضُ جَانِبِ الذَّبِيحَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ رِوَايَةَ مَالِكٍ، وَمُوَافِقِيهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: حَدِيثُ مَالِكٍ أَنَّ الصَّعْبَ أَهْدَى حِمَارًا أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ مَنْ رَوَى أَنَّهُ أَهْدَى لَحْمَ حِمَارٍ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: رَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِ الصَّعْبِ (لَحْمَ حِمَارِ وَحْشٍ) وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَضْطَرِبُ فِيهِ، فَرِوَايَةُ الْعَدَدِ الَّذِينَ لَمْ يَشُكُّوا فِيهِ أَوْلَى، وَقَدْ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِابْنِ شِهَابٍ: الْحِمَارُ عَقِيرٌ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي.
وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بِحَمْلِ رِوَايَةِ أَهْدَى حِمَارًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ إِطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ، وَيَمْتَنِعُ عَكْسُهُ، إِذْ إِطْلَاقُ الرِّجْلِ عَلَى كُلِّ الْحَيَوَانِ غَيْرُ مَعْهُودٍ، إِذْ لَا يُطْلَقُ عَلَى زَيْدٍ أُصْبُعٌ، وَنَحْوُهُ، إِذْ شَرْطُ إِطْلَاقِ اسْمِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ التَّلَازُمُ، كَالرَّقَبَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ وَالرَّأْسِ، فَإِنَّهُ لَا إِنْسَانَ دُونَهُمَا بِخِلَافِ نَحْوِ الرِّجْلِ، وَالظُّفْرِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الصَّعْبَ أَحْضَرَ الْحِمَارَ مَذْبُوحًا، ثُمَّ قَطَعَ مِنْهُ عُضْوًا بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدَّمَهُ لَهُ، فَمَنْ قَالَ أَهْدَى حِمَارًا، أَرَادَ بِتَمَامِهِ مَذْبُوحًا، لَا حَيًّا، وَمَنْ قَالَ لَحْمَ حِمَارٍ، أَرَادَ مَا قَدَّمَهُ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَحْضَرَهُ لَهُ حَيًّا، فَلَمَّا رَدَّهُ عَلَيْهِ ذَكَّاهُ، وَأَتَاهُ بِعُضْوٍ مِنْهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ إِنَّمَا رَدَّهُ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِجُمْلَتِهِ، فَأَعْلَمَهُ بِامْتِنَاعِهِ أَنَّ حُكْمَ الْجُزْءِ حُكْمُ الْكُلِّ، انْتَهَى.
وَهَذَا الْجَمْعُ قَرِيبٌ، وَفِيهِ إِبْقَاءُ اللَّفْظِ عَلَى الْمُتَبَادِرِ مِنْهُ الَّذِي تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ إِذَا أَهْدَى لِلْمُحْرِمِ حِمَارًا وَحْشِيًّا حَيًّا لَمْ يُقْبَلْ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي الْحَدِيثِ: حَيًّا، فَكَأَنَّهُ فَهِمَهُ مِنْ قَوْلِهِ حِمَارًا.
وَفِي التَّمْهِيدِ قَالَ إِسْمَاعِيلُ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ حَرْبٍ يَتَأَوَّلُ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَرَدَّهُ يَقْطُرُ دَمًا كَأَنَّهُ صِيدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَجَازَ أَكْلُهُ.
قَالَ إِسْمَاعِيلُ: وَإِنَّمَا تَأَوَّلَ رِوَايَةَ لَحْمِ حِمَارٍ لِاحْتِيَاجِهَا لِلتَّأْوِيلِ، فَأَمَّا رِوَايَةُ حِمَارِ وَحْشٍ فَلَا تَحْتَاجُ لِتَأْوِيلٍ، لِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَجُوزُ لَهُ مَسْكُ صَيْدٍ حَيًّا، وَلَا يُذَكِّهِ، وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ تَتَّفِقُ الْأَحَادِيثُ.
(وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ) - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ، وَالْمَدِّ - جَبَلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُحْفَةِ مِمَّا يَلِي الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ مَيْلًا، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَبَوُّءِ السُّيُولِ بِهِ لَا لِمَا فِيهِ مِنَ الْوَبَاءِ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقِيلَ: الْأَوْبَاءُ، أَوْ هُوَ مَقْلُوبٌ مِنْهُ.
(أَوْ بِوَدَّانَ) - بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَشَدِّ الدَّالِ