بِزِنَةِ عِنَبَةٍ، (وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ) مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ، أَيِ الْجَارِحُ الْمُفْتَرِسُ كَأَسَدٍ وَذِئْبٍ، سَمَّاهَا كِلَابًا لِاشْتِرَاكِهَا فِي السَّبْعِيَّةِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ فِي دُعَائِهِ عَلَى عُتَيْبَةَ: " «اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِكَ، فَافْتَرَسَهُ الْأَسَدُ» " وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْكَلْبُ الْمَعْرُوفُ، وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَتْلٌ بِقِصَاصٍ، أَوْ رَجْمٌ بِزِنًا، أَوْ مُحَارَبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ إِقَامَةُ سَائِرِ الْحُدُودِ فِيهِ سَوَاءٌ جَرَى مُوجِبُ الْقَتْلِ وَالْحَدِّ فِي الْحَرَمِ، أَوْ خَارِجَهُ، ثُمَّ لَجَأَ صَاحِبُهُ إِلَى الْحَرَمِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَآخَرُونَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَطَائِفَةٌ: مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ يُقَامُ عَلَيْهِ فِيهِ، وَمَا فَعَلَهُ خَارِجَهُ، ثُمَّ لَجَأَ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ إِتْلَافُ نَفْسٍ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ، بَلْ يُضَيَّقُ عَلَيْهِ، وَلَا يُكَلَّمُ، وَلَا يُجَالَسُ، وَلَا يُبَايَعُ حَتَّى يُضْطَرَّ إِلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ، فَيُقَامُ عَلَيْهِ خَارِجَهُ، وَمَا كَانَ دُونَ النَّفْسِ يُقَامُ فِيهِ.
قَالَ عِيَاضٌ: رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَكَمِ نَحْوُهُ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا، وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: ٩٧] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ ٩٧) ، وَحُجَّتُنَا عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لِمُشَارَكَةِ فَاعِلِ الْجِنَايَةِ لِهَذِهِ الدَّوَابِّ فِي اسْمِ الْفِسْقِ، بَلْ فِسْقُهُ أَفْحَشُ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا، وَلِأَنَّ التَّضْيِيقَ الَّذِي ذَكَرُوهُ لَا يَبْقَى لِصَاحِبِهِ أَمَانٌ، فَقَدْ خَالَفُوا ظَاهِرَ مَا فَسَّرُوا بِهِ الْآيَةَ، قَالَ: وَمَعْنَى الْآيَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ إِخْبَارٌ عَمَّا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَعَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْآيَاتِ، وَقِيلَ: آمِنٌ مِنَ النَّارِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ ٥) ، وَقِيلَ: الْآيَةُ فِي الْبَيْتِ، لَا فِي الْحَرَمِ، وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَامُ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا فِي الْبَيْتِ وَيَخْرُجُ مِنْهُمَا، فَيُقَامُ عَلَيْهِ خَارِجَهُ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ يُنَزَّهُ عَنْ مِثْلِ هَذَا.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُخْرَجُ وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَالْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ، وَحَمَّادٍ، وَأَعَادَ الْإِمَامُ الْحَدِيثَ لِإِفَادَةِ أَنَّ لَهُ فِيهِ شَيْخًا آخَرَ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي بَدْءِ الْخَلْقِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عند مُسْلِمٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute