وَهْمٌ، فَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: " «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ خَمْسِ فَوَاسِقَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ» " قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَبَيْنَ الْإِضَافَةِ وَالتَّنْوِينِ فَرْقٌ دَقِيقٌ فِي الْمَعْنَى، لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَقْتَضِي الْحُكْمَ عَلَى خَمْسٍ مِنَ الْفَوَاسِقِ بِالْقَتْلِ، وَرُبَّمَا أَشْعَرَ التَّخْصِيصُ بِخِلَافِ الْحُكْمِ فِي غَيْرِهَا بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ.
وَأَمَّا التَّنْوِينُ فَيَقْتَضِي وَصْفَ الْخَمْسِ بِالْفِسْقِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، وَقَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى ذَلِكَ ; وَهُوَ الْقَتْلُ مُعَلَّلٌ بِمَا جُعِلَ وَصْفًا ; وَهُوَ الْفِسْقُ، فَيَقْتَضِي ذَلِكَ التَّعْمِيمَ لِكُلِّ فَاسِقٍ مِنَ الدَّوَابِّ، وَهُوَ ضِدُّ مَا اقْتَضَاهُ الْأَوَّلُ مِنَ الْمَفْهُومِ، وَهُوَ التَّخْصِيصُ.
(يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ) - بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَالرَّاءِ، كَمَا ضَبَطَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ - أَيْ حَرَمِ مَكَّةَ - وَبِضَمِّ الْحَاءِ، وَالرَّاءِ، وَاقْتُصِرَ عَلَيْهِ فِي الْمَشَارِقِ - قَالَ: وَهُوَ جَمْعُ حَرَامٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ١] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ ١) ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَوَاضِعُ الْمُحَرَّمَةُ، وَالْفَتْحُ أَظْهَرُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ، (الْفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ) ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عَائِشَةَ: " الْحَيَّةُ "، وَأَسْقَطَ الْعَقْرَبَ، وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: " «سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ عَمَّا يَقْتُلُ الرَّجُلُ مِنَ الدَّوَابِّ وَهُوَ مُحْرِمٌ، قَالَ: " حَدَّثَتْنِي إِحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَالْفَأْرَةِ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْحُدَيَّا، وَالْغُرَابِ، وَالْحَيَّةِ» ، قَالَ: وَفِي الصَّلَاةِ أَيْضًا فَهِيَ سِتَّةٌ.
قَالَ عِيَاضٌ: سُمُّوا فَوَاسِقَ لِخُرُوجِهِمْ عَنِ السَّلَامَةِ مِنْهُمْ إِلَى الْإِضْرَارِ، وَالْأَذَى، فَخَرَجَتْ بِالْإِذَايَةِ عَنْ جِنْسِهَا مِنَ الْحَيَوَانِ، وَقِيلَ: لِخُرُوجِهَا عَنِ الْحُرْمَةِ الَّتِي لِغَيْرِهَا، وَالْأَمْرِ بِقَتْلِهَا فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَأَنَّهُ لَا فِدْيَةَ فِيهَا، وَقِيلَ: لِخُرُوجِهَا عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَقِيلَ: لِتَحْرِيمِ أَكْلِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: ١٢١] (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ ١٢١) ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُحَرَّمَاتِ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ، وَقَدْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسِقًا.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: سُمِّيَتِ الْفَأْرَةُ بِذَلِكَ، لِخُرُوجِهَا عَنْ جُحْرِهَا، وَاغْتِيَالِهَا أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْفَسَادِ، وَأَصْلُ الْفِسْقِ: الْخُرُوجُ.
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ الْغُرَابُ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ نُوحٍ، وَفِيهِمَا نَظَرٌ، إِذْ لَا يُسَمَّى كُلُّ خَارِجٍ، وَلَا مُتَخَلِّفٍ فَاسِقًا فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ.
قَالَ الْأَبِّيُّ: قَيَّدَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى بِذَلِكَ لُغَةً، وَلَكِنَّ عُرْفَ الِاسْتِعْمَالِ خَصَّصَهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَمَرَ بِالْقَتْلِ، وَعَلَّلَ بِالْفِسْقِ، فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ إِلَى كُلِّ مَا وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ، وَنَبَّهَ بِالْخَمْسَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْفِسْقِ، فَنَبَّهَ بِالْغُرَابِ عَلَى مَا يُجَانِسُهُ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ، وَكَذَا بِالْحِدَأَةِ، وَيَزِيدُ الْغُرَابَ بِحَلِّ سُفْرَةِ الْمُسَافِرِ، وَنَقْبِ جِرَابِهِ، وَبِالْحَيَّةِ عَلَى كُلِّ مَا يَلْسَعُ، وَالْعَقْرَبِ كَذَلِكَ - وَالْحَيَّةُ تَلْسَعُ وَتَفْتَرِسُ، وَالْعَقْرَبُ تَلْدَغُ، وَلَا تَفْتَرِسُ - وَبِالْفَأْرَةِ عَلَى مَا يُجَانِسُهَا مِنْ هَوَامِّ الْمَنْزِلِ الْمُؤْذِيَةِ، وَبِالْكَلْبِ الْعَقُورِ عَلَى كُلِّ مُفْتَرِسٍ، قَالَ: وَمَعْنَى فِسْقِهِنَّ: خُرُوجُهُنَّ عَنْ حَدِّ الْكَفِّ إِلَى الْأَذِيَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute