رَجُلًا، انْتَهَى.
وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طُرُقٍ مِنْهَا: طَرِيقُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ (ابْنَ الْخَطَّابِ قَالَ، وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ لِلرُّكْنِ الْأَسْوَدِ) مُخَاطِبًا لَهُ، لِيُسْمِعَ الْحَاضِرِينَ: (إِنَّمَا أَنْتَ حَجَرٌ) مَخْلُوقٌ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: " «أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لِأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ، وَلَا تَنْفَعُ "، (وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ، ثُمَّ قَبَّلَهُ) » عُمَرُ، لِأَنَّ مُتَابَعَتَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَشْرُوعَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ مَعْنَاهَا، وَفِيهَا نَفْعٌ بِالْجَزَاءِ وَالثَّوَابِ، فَمَعْنَاهُ إِنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى ضُرٍّ، وَلَا نَفْعٍ كَبَاقِي الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي لَا تَضُرُّ، وَلَا تَنْفَعُ، فَأَشَاعَ عُمَرُ هَذَا فِي الْمَوْسِمِ، لِيَشْتَهِرَ فِي الْبُلْدَانِ، وَيَحْفَظَهُ أَهْلُ الْمَوْسِمِ الْمُخْتَلِفُو الْأَوْطَانِ، لِئَلَّا يَغْتَرَّ بَعْضُ قَرِيبِي الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ الَّذِينَ أَلِفُوا عِبَادَةَ الْأَحْجَارِ وَتَعْظِيمَهَا، وَرَجَاءَ نَفْعِهَا، وَخَوْفِ الضَّرَرِ بِالتَّقْصِيرِ فِي تَعْظِيمِهَا، وَالْعَهْدُ بِذَلِكَ قَرِيبٌ، فَخَافَ عُمَرُ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَرَاهُ يُقَبِّلُهُ فَيُفْتَنُ بِهِ وَيَشْتَبِهُ عَلَيْهِ.
وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «حَجَجْنَا مَعَ عُمَرَ، فَلَمَّا طَافَ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ، فَقَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ ثُمَّ قَبَّلَهُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: بَلَى إِنَّهُ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، قَالَ: بِمَ؟ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: ١٧٢] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ ١٧٢) ، خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ، وَمَسَحَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَقَرَّرَهُمْ بِأَنَّهُ الرَّبُّ، وَأَنَّهُمُ الْعَبِيدُ وَأَخَذَ عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمْ، وَكَتَبَ ذَلِكَ فِي رَقٍّ، وَكَانَ لِهَذَا الْحَجَرِ عَيْنَانِ وَلِسَانٌ، فَقَالَ: افْتَحْ فَفَتَحَ فَاهُ، فَأَلْقَمَهُ ذَلِكَ الرَّقَّ، وَقَالَ: اشْهَدْ لِمَنْ وَافَاكَ بِالْمُوَافَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنِّي أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ: يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَلَهُ لِسَانٌ ذَلِقٌ يَشْهَدُ لِمَنْ يَسْتَلِمُهُ بِالتَّوْحِيدِ، فَهُوَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَضُرُّ، وَيَنْفَعُ، فَقَالَ عُمَرُ: " أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَعِيشَ فِي قَوْمٍ لَسْتُ فِيهِمْ يَا أَبَا حَسَنٍ» "، قَالَ الْحَاكِمُ: لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَحْتَجَّا بِأَبِي هَارُونَ عِمَارَةَ بْنِ جُوَيْنٍ الْعَبْدِيِّ، قَالَ غَيْرُهُ: وَلَا مِنْ شَرْطِ غَيْرِهِمَا، فَأَبُو هَارُونَ ضَعَّفَهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَنَسَبَهُ إِلَى الْكَذِبِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَاسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ جَوَازَ تَقْبِيلِ مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ مِنْ آدَمِيٍّ وَغَيْرِهِ.
وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ: لَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْرِهِ، وَاسْتَبْعَدَ بَعْضُ أَتْبَاعِهِ صِحَّةَ ذَلِكَ عَنْهُ.
وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ أَبِي الصَّيْفِ الْيَمَانِيِّ الشَّافِعِيِّ جَوَازَ تَقْبِيلِ الْمُصْحَفِ، وَقُبُورِ الصَّالِحِينَ.
(قَالَ مَالِكٌ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يُسْتَحَبُّ إِذَا رَفَعَ الَّذِي يَطُوفُ بِالْبَيْتِ يَدَهُ عَلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ، أَنْ يَضَعَهَا عَلَى فِيهِ) ، هَكَذَا قَالَ يَحْيَى وَابْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute