سَنَةً وَهُوَ مَعَهَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، أَيْ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ أَوَّلًا مِنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّهَا، ثُمَّ سَمِعَهُ مِنَ الْأُمِّ، فَحَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، فَلَا يَكُونُ مُنْقَطِعًا، قَالَ: وَقَدْ زَادَ الْأَصِيلِيُّ فِي طَرِيقِ هِشَامٍ زَيْنَبَ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ السَّكَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُبَشِّرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ لَيْسَ فِيهِ زَيْنَبٌ، وَهُوَ الْمَحْفُوظُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ، فَأَمَّا أَبُو الْأَسْوَدِ فَبِإِثْبَاتِ زَيْنَبَ، (أَنَّهَا قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنِّي أَشْتَكِي) ، أَيْ أَتَوَجَّعُ، وَهُوَ مَفْعُولُ شَكَوْتُ، أَيْ أَنِّي مَرِيضَةٌ، ( «فَقَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ» ) ، لِأَنَّ سُنَّةَ النِّسَاءِ التَّبَاعُدُ عَنِ الرِّجَالِ فِي الطَّوَافِ، وَلِأَنَّ بِقُرْبِهَا يُخَافُ تَأَذِّي النَّاسِ بِدَابَّتِهَا، وَقَطْعِ صُفُوفِهِمْ، (وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ) ، زَادَ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ: بَعِيرَكِ، وَبَيَّنَ فِيهَا أَنَّهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ، وَلَفْظُهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ الْخُرُوجَ، وَلَمْ تَكُنْ أُمُّ سَلَمَةَ طَافَتْ، فَقَالَ لَهَا: «إِذَا أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، فَطُوفِي عَلَى بَعِيرِكِ» ، (قَالَتْ: فَطُفْتُ) رَاكِبَةً بَعِيرِي، (وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَئِذٍ يُصَلِّي) الصُّبْحَ بِالنَّاسِ (إِلَى جَانِبِ الْبَيْتِ) الْكَعْبَةِ (وَهُوَ يَقْرَأُ بِالطُّورِ) أَيْ بِسُورَةِ الطُّورِ، وَلِذَا حُذِفَتْ وَاوُ الْقَسَمِ، لِأَنَّهُ صَارَ عَلَمًا عَلَيْهَا، {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: ٢] {فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} [الطور: ٣] (سُورَةُ الطُّورِ: الْآيَةُ ٢٣) ، وَفِيهِ جَازَ طَوَافُ الرَّاكِبِ لِعُذْرٍ، وَيَلْحَقُ بِهِ الْمَحْمُولُ لِلْعُذْرِ، أَمَّا بِلَا عُذْرٍ، فَمَنَعَهُ مَالِكٌ، وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ ٢٩) وَمَنْ طَافَ رَاكِبًا، لَمْ يَطُفْ بِهِ إِنَّمَا طَافَ بِهِ غَيْرُهُ وَرُكُوبُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا كَانَ لِلْعُذْرِ، فَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ، وَهُوَ يَشْتَكِي، فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ» ".
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ رَاكِبًا، لِيَرَاهُ النَّاسُ وَلِيَسْأَلُوهُ» ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِلْأَمْرَيْنِ، وَكَذَا رُكُوبُ أُمِّ سَلَمَةَ لِلْعُذْرِ، زَادَ هِشَامٌ فِي رِوَايَتِهِ: فَفَعَلَتْ ذَلِكَ فَلَمْ تُصَلِّ حَتَّى خَرَجَتْ، أَيْ مِنَ الْمَسْجِدِ، أَوْ مِنْ مَكَّةَ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ خَارِجًا مِنَ الْمَسْجِدِ، إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا لَازِمًا لَمَا أَقَرَّهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ
وَفِي رِوَايَةِ حَسَّانِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالَتْ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، وَلَمْ أُصَلِّ حَتَّى خَرَجْتُ، فَصَلَّيْتُ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَكْمَلَتْ طَوَافَهَا قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَدْرَكَتْهُمْ فَصَلَّتْهَا مَعَهُمْ، وَرَأَيْتُ أَنَّهَا تَجْزِيهَا عَنْ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ نَسِيَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ قَضَاهُمَا حَيْثُ ذَكَرَ مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، نَعَمْ قَالَ مَالِكٌ: إِنْ تَبَاعَدَ، وَرَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ أَكْبَرَ مِنْ صَلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَلَيْسَ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا غَيْرُ قَضَائِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ لِلْحَجِّ، وَتَعَلُّقَاتِهِ أَحْكَامًا تَخُصُّهُ لَا دَخْلَ فِيهَا بِالْقِيَاسِ.
وَاسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ بَطَّالٍ، وَغَيْرُهُ عَلَى جَوَازِ إِدْخَالِ الدَّوَابِّ الَّتِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute