عَمَلِ الْحَجِّ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الْعَوْنِ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي الدُّعَاءِ، وَالتَّضَرُّعِ الْمَطْلُوبِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؛ وَلِذَا قَالَ الْجُمْهُورُ: يُسْتَحَبُّ فِطْرُهُ لِلْحَاجِّ، وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ صَوْمُهُ مَكْرُوهٌ؟ وَصَحَّحَهُ الْمَالِكِيَّةُ، أَوْ خِلَافَ الْأُولَى، وَصَحَّحَهُ الشَّافِعِيَّةُ، وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ فِعْلَهُ الْمُجَرَّدَ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِ صَوْمِهِ، إِذْ قَدْ يَتْرُكُهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَيَكُونُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ لِمَصْلَحَةِ التَّبْلِيغِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ» "، وَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ قَوْمٌ مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: يَجِبُ فِطْرُهُ لِلْحَاجِّ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، حَتَّى قَالَ عَطَاءٌ: كُلُّ مَنْ أَفْطَرَهُ لِيَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الذِّكْرِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِنَ الْقَرَابَةِ، وَالْأَصْهَارِ، وَتَرْكُ السُّؤَالِ عَمَّا وُجِدَ بِأَيْدِي الْفُضَلَاءِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرِبَ وَلَمْ يَسْأَلْ هَلْ هُوَ مِنْ مَالِهَا، أَوْ مِنْ مَالِ الْعَبَّاسِ زَوْجِهَا، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا مِمَّا أُذِنَ لِلنِّسَاءِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ، أَوْ عَلِمَ أَنَّ الْعَبَّاسَ يُسِرُّ بِذَلِكَ، وَفِيهِ أَنَّ الْوُقُوفَ رَاكِبًا أَفْضَلُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ رَاكِبًا.
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " «ثُمَّ رَكِبَ إِلَى الْمَوْقِفِ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ» "، وَمِنْ حَيْثُ النَّظَرِ أَنَّ فِي الرُّكُوبِ عَوْنًا عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي الدُّعَاءِ، وَالتَّضَرُّعِ الْمَطْلُوبِ حِينَئِذٍ كَمَا ذَكَرُوا مِثْلَهُ فِي الْفِطْرِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ اسْتِحْبَابَ الرُّكُوبِ يَخْتَصُّ بِمَنْ يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى التَّعَلُّمِ مِنْهُ، وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ، وَفِيهِ أَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى ظَهْرِ الدَّوَابِّ مُبَاحٌ إِذَا لَمْ يُجْحَفْ بِهَا، وَذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنَ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ ظُهُورِهَا مَنَابِرَ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا أُجْحِفَ بِهَا لَا مُطْلَقًا، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَفِي الصِّيَامِ عَنِ التِّنِّيسِيِّ، وَيَحْيَى الْقَطَّانِ، وَمُسْلِمٍ فِي الصَّوْمِ، عَنْ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عِنْدَ مُسْلِمٍ الثَّلَاثَةُ عَنْ أَبِي النَّضْرِ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute