قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سُعَيْدٍ - بِضَمِّ السِّينِ - ابْنِ سَهْمٍ السَّهْمِيِّ مِنْ قُدَمَاءِ الْمُهَاجِرِينَ، مَاتَ بِمِصْرَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ (أَيَّامَ مِنًى يَطُوفُ) فِي النَّاسِ، (يَقُولُ: «إِنَّمَا هِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» ) ، بِضَمِّ الشِّينِ وَفَتْحِهَا، رِوَايَتَانِ بِمَعْنًى كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَحَكَى ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْغَنَائِمِ: أَنَّهُ بِالْفَتْحِ فَقَطْ، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {شُرْبَ الْهِيمِ} [الواقعة: ٥٥] (سُورَةُ الْوَاقِعَةِ: الْآيَةُ) ، وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: إِنَّهُ الْأَفْصَحُ الْأَقْيَسُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ كَالْأَكْلِ، وَعَقَّبَهُمَا بِقَوْلِهِ: (وَذِكْرِ اللَّهِ) ، لِئَلَّا يَسْتَغْرِقَ الْعَبْدُ فِي حُظُوظِ نَفْسِهِ، وَيَنْسَى حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا مِنْ بَابِ التَّتْمِيمِ، فَإِنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الْأَكْلَ، وَالشُّرْبَ إِلَى الْأَيَّامِ أُوهِمَ أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ إِلَّا لَهُمَا، لِأَنَّ النَّاسَ أَضْيَافُ اللَّهِ فِيهَا فَتَدَارَكَ بِقَوْلِهِ: وَذِكْرِ اللَّهِ لِئَلَّا يَسْتَغْرِقُوا أَوْقَاتَهُمْ بِاللَّذَّاتِ النَّفْسَانِيَّةِ، فَيَنْسَوْا نَصِيبَهُمْ مِنَ الرُّوحَانِيَّةِ، وَنَظِيرُهُ فِي التَّتْمِيمِ لِلصِّيَانَةِ، أَيِ الِاحْتِرَاسِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَسَقَى دِيَارَكَ غَيْرُ مُفْسِدِهَا ... صَوْبَ الرَّبِيعِ وَدِيمَةً تَهْمَى
وَقَدْ عَلَّلَ ذَلِكَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ الْقَوْمَ زَارُوا اللَّهَ وَهُمْ فِي ضِيَافَتِهِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَلَيْسَ لِلضَّيْفِ أَنْ يَصُومَ دُونَ إِذْنِ مَنْ أَضَافَهُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ مَقْبُولٍ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ: جَمْعُ سِرِّ ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى دَعَا عِبَادَهُ إِلَى زِيَارَةِ بَيْتِهِ، فَأَجَابُوهُ، وَقَدْ أَهْدَى كُلٌّ عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِ، وَذَبَحُوا هَدْيَهُمْ، فَقَبِلَهُ مِنْهُمْ، وَجَعَلَ لَهُمْ ضِيَافَةً، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَأَوْسَعَ زُوَّارَهُ طَعَامًا وَشَرَابًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَسُنَّةُ الْمُلُوكِ إِذَا أَضَافُوا أَطْعَمُوا مَنْ عَلَى الْبَابِ كَمَا يُطْعِمُونَ مَنْ فِي الدَّارِ، وَالْكَعْبَةُ هِيَ الدَّارُ، وَسَائِرُ الْأَقْطَارِ بَابُ الدَّارِ، فَعَمَّ اللَّهُ الْكُلَّ بِضِيَافَتِهِ، فَمَنَعَ صِيَامَهَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ - وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا - فَقَدْ وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبٍ وَمَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ مَسْعُودَ بْنَ الْحَكَمِ قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ وَهُوَ يَسِيرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا، قَالَ: عَنْ سَعِيدٍ غَيْرِ صَالِحٍ، وَهُوَ كَثِيرُ الْخَطَأِ ضَعِيفٌ يَعْنِي أَنَّ الصَّوَابَ الْأَوَّلَ.
وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ نُبَيْشَةَ، مَرْفُوعًا: " «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَذِكْرِ اللَّهِ» " وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ وَأَوْسَ بْنَ الْحَدَثَانِ، «فَنَادَى أَنْ لَا يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» "، زَادَ أَصْحَابُ السُّنَنِ: " وَذِكْرِ اللَّهِ فَلَا يَصُومَنَّ أَحَدٌ " فَقَدْ عَدَّدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُنَادَى لِكَثْرَةِ النَّاسِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute