إِحْدَى عَشْرَةَ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا عَيْنَ تَبُوكَ» " فَمُقْتَضَاهُ قِدَمُ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ، وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَدْ رَأَى قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِهِ يَبُوكُونَ عَيْنَ الْمَاءِ أَيْ يُدْخِلُونَ فِيهَا الْقَدَحَ وَيُحَرِّكُونَهُ لِيَخْرُجَ الْمَاءُ: " مَا زِلْتُمْ تَبُوكُونَهَا بَوْكًا " (قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَذَهَبْتُ مَعَهُ بِمَاءٍ) فِي إِدَاوَةٍ، وَلِلْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يُتْبِعَهُ بِالْإِدَاوَةِ فَانْطَلَقَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ فَتَوَضَّأَ» " وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: " «أَنَّ الْمَاءَ أَخَذَهُ الْمُغِيرَةُ مِنْ أَعْرَابِيَّةٍ صَبَّتْهُ لَهُ مِنْ قِرْبَةٍ مِنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " سَلْهَا فَإِنْ كَانَتْ دَبَغَتْهَا فَهُوَ طَهُورُهَا "، فَقَالَتْ: أَيْ وَاللَّهِ لَقَدْ دَبَغْتُهَا» " وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْأَحْكَامِ وَلَوِ امْرَأَةً سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى أَمْ لَا لِقَبُولِ خَبَرِ الْأَعْرَابِيَّةِ.
( «فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ فَسَكَبْتُ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ» ) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ اخْتِصَارٌ فَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عَيَّادِ بْنِ زِيَادٍ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ غَسَلَ كَفَّيْهِ وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَوِيٍّ فَغَسَلَهُمَا فَأَحْسَنَ غَسْلِهِمَا وَلِلْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ وَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَفِي مُسْلِمٍ «فَلَمَّا رَجَعَ أَخَذْتُ أُهَرِيقُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْإِدَاوَةِ وَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ» .
(ثُمَّ ذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْ) بِضَمِّ الْكَافِ (جُبَّتِهِ) وَهِيَ مَا قُطِعَ مِنَ الثِّيَابِ مُشَمِّرًا، قَالَهُ فِي الْمَشَارِقِ، وَلِلْبُخَارِيِّ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ، وَلِأَبِي دَاوُدَ: مِنْ صُوفٍ مِنْ جِبَابِ الرُّومِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَفِيهِ أَنَّ الصُّوفَ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ لِأَنَّ الشَّامَ إِذْ ذَاكَ كَانَتْ دَارَ كُفْرٍ وَمَأْكُولُهَا كُلُّهَا الْمَيْتَاتُ كَذَا قَالَ.
(فَلَمْ يَسْتَطِعْ مِنْ ضِيقِ كُمَّيِ الْجُبَّةِ) إِخْرَاجَ يَدَيْهِ وَفِيهِ التَّشْمِيرُ فِي السَّفَرِ وَلُبْسُ الثِّيَابِ الضَّيِّقَةِ فِيهِ لِأَنَّهَا أَعْوَنُ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ فِي الْغَزْوِ لِلتَّشْمِيرِ وَالتَّأَسِّي بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدِي فِي الْحَضَرِ.
(فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ) زَادَ مُسْلِمٌ: وَأَلْقَى الْجُبَّةَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ.
(فَغَسَلَ يَدَيْهِ) وَلِأَحْمَدَ: «فَغَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَدَهُ الْيُسْرَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» .
(وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «وَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ» ، وَفِيهِ وُجُوبُ تَعْمِيمِ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ كَمَّلَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَكَأَنَّهُ لِعُذْرٍ وَلَمْ يَكْتَفِ بِالْمَسْحِ عَلَى مَا بَقِيَ.
(وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ) مَحِلُّ الشَّاهِدِ مِنَ الْحَدِيثِ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهِمَا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ ; لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بَعْدَهَا بِاتِّفَاقٍ إِذْ هِيَ آخِرُ الْمَغَازِي، ثُمَّ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ خَاصٌّ بِالْوُضُوءِ لَا مَدْخَلَ لِلْغُسْلِ فِيهِ بِإِجْمَاعٍ.
( «فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -