- (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: الْهَدْيُ مَا قُلِّدَ وَأُشْعِرَ وَوُقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ) ، فَغَيْرُهُ لَيْسَ بِهَدْيٍ إِنِ اشْتَرَاهُ بِمَكَّةَ أَوْ مِنًى، وَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ إِلَى الْحِلِّ وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ، فَإِنْ سَاقَهُ مِنَ الْحِلِّ اسْتَحَبَّ وُقُوفَهُ بِعَرَفَةَ بِهِ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ كَمَا فِي الِاسْتِذْكَارِ، وَفِي هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْإِشْعَارَ سُنَّةٌ، وَفَائِدَتُهُ الْإِعْلَامُ بِأَنَّهَا صَارَتْ هَدْيًا لِيَتَّبِعَهَا مَنْ يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ، وَحَتَّى لَوِ اخْتَلَطَتْ بِغَيْرِهَا تَمَيَّزَتْ، أَوْ ضَلَّتْ عُرِفَتْ، أَوْ عَطِبَتْ عَرَفَهَا الْمَسَاكِينُ بِالْعَلَامَةِ، فَأَكَلُوهَا مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ شِعَارِ الشَّرْعِ، وَحَثِّ الْغَيْرِ عَلَيْهِ، وَبِذَلِكَ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا وَعَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ، وَكَانَ مَشْرُوعًا قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ بِالِاحْتِمَالِ، بَلْ وَقَعَ الْإِشْعَارُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَذَلِكَ بَعْدَ النَّهْيِ عَنِ الْمُثْلَةِ بِزَمَانٍ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ، وَغَيْرُهُ: الِاعْتِلَالُ بِأَنَّهُ مِنَ الْمُثْلَةِ مَرْدُودٌ، بَلْ هُوَ مِنْ بَابٍ آخَرَ كَالْكَيِّ، وَشَقِّ أُذُنِ الْحَيَوَانِ لِيَصِيرَ عَلَامَةً، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْوَسْمِ، وَكَالْخِتَانِ وَالْحِجَامَةِ، وَشَفَقَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى مَالِهِ عَادَةً، فَلَا يُتَوَهَّمُ سَرَيَانُ الْجُرْحِ حَتَّى يُفْضِيَ إِلَى الْهَلَاكِ، وَقَدْ كَثُرَ تَشْنِيعُ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي إِطْلَاقِ كَرَاهَةِ الْإِشْعَارِ حَتَّى قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: هَذِهِ طَامَّةٌ مِنْ طَوَامِّ الْعَالَمِ أَنْ تَكُونَ مُثْلَةً شَيْءٌ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُفٍّ لِكُلِّ عَاقِلٍ يَتَعَقَّبُ حُكْمَهُ، قَالَ: وَهَذِهِ قَوْلَةٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ لَا يُعْلَمُ لَهُ فِيهَا مُتَقَدِّمٌ مِنَ السَّلَفِ، وَلَا مُوَافِقٌ مِنْ فُقَهَاءِ عَصْرِهِ إِلَّا مَنْ قَلَّدَهُ، وَلِذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَهُ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ، وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ وَقَالَا بِقَوْلِ الْجَمَاعَةِ، وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ النَّخَعِيَّ وَافَقَهُ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا السَّائِبِ يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ وَكِيعٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ الْإِشْعَارَ مُثْلَةٌ، فَقَالَ وَكِيعٌ: أَقُولُ لَكَ أَشْعَرَ رَسُولُ اللَّهِ، وَتَقُولُ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ! مَا أَحَقَّكَ بِأَنْ تُحْبَسَ، وَقَدِ انْتَصَرَ الطَّحَاوِيُّ، فَقَالَ: لَمْ يَكْرَهْ أَبُو حَنِيفَةَ أَصْلَ الْإِشْعَارِ، وَإِنَّمَا كَرِهَ مَا يُفْعَلُ عَلَى وَجْهٍ يُخَافُ مِنْهُ هَلَاكُ الْبُدْنِ لِسَرَايَةِ الْجُرْحِ لَا سِيَّمَا مَعَ الطَّعْنِ بِالشَّفْرَةِ، فَأَرَادَ سَدَّ الْبَابِ عَنِ الْعَامَّةِ، لِأَنَّهُمْ لَا يُرَاعُونَ الْحَدَّ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ عَارِفًا بِالسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ فَلَا، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ التَّخْيِيرَ فِي الْإِشْعَارِ، وَتَرْكِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنُسُكٍ مَكْرُوهٍ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِثُبُوتِ فِعْلِهِ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute