للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

غَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ إِلَّا مَوْضِعَ السَّنَامِ، وَإِذَا نَحَرَهَا نَزَعَ جِلَالَهَا مَخَافَةَ أَنْ يُفْسِدَهَا الدَّمُ، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا، أَيْ لِئَلَّا تَسْقُطَ، وَلِيَظْهَرَ الْإِشْعَارُ لِئَلَّا يَسْتَتِرَ تَحْتَهَا.

وَنَقَلَ عِيَاضٌ: أَنَّ التَّجْلِيلَ يَكُونُ بَعْدَ الْإِشْعَارِ، لِئَلَّا يَتَلَطَّخَ بِالدَّمِ، وَإِنْ شُقَّ الْجِلَالُ مِنَ الْأَسْنِمَةِ، قُلْتُ: قِيمَتُهَا، فَإِنْ كَانَتْ نَفِيسَةً لَمْ تُشَقُّ.

وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُجَلِّلُ بُدْنَهُ الْأَنْمَاطَ وَالْبُرُودَ وَالْحُبُرَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ يَنْزِعُهَا فَيَطْوِيهَا حَتَّى يَكُونَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَيُلْبِسُهَا إِيَّاهَا، حَتَّى يَنْحَرَهَا، ثُمَّ يَتَصَدَّقَ بِهَا، قَالَ نَافِعٌ: وَرُبَّمَا دَفَعَهَا إِلَى بَنِي شَيْبَةَ.

قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي هَذَا كُلِّهِ اسْتِحْبَابُ التَّقْلِيدِ وَالتَّجْلِيلِ وَالْإِشْعَارِ؛ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ إِظْهَارَ التَّقَرُّبِ بِالْهَدْيِ أَفْضَلُ مِنْ إِخْفَائِهِ، وَالْمُقَرَّرُ إِخْفَاءُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ غَيْرِ الْفَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ إِظْهَارِهِ، فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أَفْعَالَ الْحَجِّ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الظُّهُورِ كَالْإِحْرَامِ وَالطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ، فَكَانَ الْإِشْعَارُ وَالتَّقْلِيدُ كَذَلِكَ، فَيُخَصُّ ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ الْإِخْفَاءِ، وَأَمَّا أَنْ يُقَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنَ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ وَغَيْرِهِمَا إِظْهَارُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَهْدِيهَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْعَثَهَا مَعَ مَنْ يُقَلِّدُهَا وَيُشْعِرُهَا، وَلَا يَقُولُ أَنَّهَا لِفُلَانٍ، فَتَحْصُلُ سُنَّةُ التَّقْلِيدِ مَعَ كِتْمَانِ الْعَمَلِ، وَأَبْعَدُ مَنِ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ إِذَا شَرَعَ فِيهِ صَارَ فَرْضًا، وَإِنَّمَا يُقَالُ: إِنَّ التَّقْلِيدَ جُعِلَ عِلْمًا لِكَوْنِهَا هَدْيًا حَتَّى لَا يَطْمَعَ صَاحِبُهَا فِي الرُّجُوعِ فِيهَا، انْتَهَى. وَلَعَلَّ الْجَوَابَ بِالتَّخْصِيصِ أَوْلَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>