للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِيهِ قَاعِدًا» " وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْهَا: " «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّفِّ خَلْفَهُ» " وَاسْتَشْكَلَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " «لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ أَذِنَ أَيِ النَّبِيُّ فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي فَوَجَدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنَ الْوَجَعِ فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنْ مَكَانَكَ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ» " فَقِيلَ لِلْأَعْمَشِ فَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ وَالنَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.

وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ نَحْوَهُ وَفِيهِ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ هُوَ الْإِمَامُ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مَأْمُومًا وَيُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ» " وَجَمَعَ ابْنُ حِبَّانَ بِأَنَّهُ صَلَّى فِي مَرَضِهِ صَلَاتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً كَانَ فِي إِحْدَاهُمَا مَأْمُومًا وَفِي الْأُخْرَى إِمَامًا، بِدَلِيلِ أَنَّ فِي خَبَرِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ خَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تُرِيدُ بِأَحَدِهِمَا الْعَبَّاسُ وَالْآخَرِ عَلِيًّا، وَفِي خَبَرِ مَسْرُوقٍ عَنْهَا خَرَجَ بَيْنَ بَرِيرَةَ وَنُوبَةَ يَعْنِي بِنُونٍ وَمُوَحَّدَةٍ، وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ، وَكَذَا جَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ وَبَيَّنَ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا أَبُو بَكْرٍ مَأْمُومًا صَلَاةَ الظُّهْرِ وَالَّتِي صَلَّاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَهُ هِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَهِيَ آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا، وَكَذَا جَمَعَ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: إِنَّهُمَا صَلَاتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ بِلَا شَكٍّ إِحْدَاهُمَا الَّتِي رَوَاهَا الْأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ عَنْهَا وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ صِفَتُهَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَّ النَّاسَ وَالنَّاسُ خَلْفَهُ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ فِي مَوْقِفِ الْمَأْمُومِ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ» .

وَالثَّانِيَةُ الَّتِي رَوَاهَا مَسْرُوقٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ وَحُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ صِفَتُهَا: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي الصَّفِّ مَعَ النَّاسِ» ، فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً، قَالَ: وَلَيْسَتْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فِي الدَّهْرِ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى التَّعَارُضِ بَلْ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسٌ وَمُدَّةُ مَرَضِهِ اثْنَا عَشَرَ يَوْمًا فِيهِ سِتُّونَ صَلَاةً أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ اه.

فَقَدْ ثَبَتَ بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ عَوْفٍ، فَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ عِيَاضٍ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَؤُمَّهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّقَدُّمُ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا غَيْرِهَا لَا لِعُذْرٍ وَلَا لِغَيْرِهِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ شَافِعًا لَهُ، وَقَدْ قَالَ: «أَئِمَّتُكُمْ شُفَعَاؤُكُمْ» ، وَلِذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .

وَحَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْأُنْمُوذَجِ وَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَؤُمَّهُ ابْتِدَاءً وَلَوْ لِعُذْرٍ، أَمَّا إِذَا أَمَّ غَيْرُهُ فَجَاءَ وَأَبْقَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَجُوزُ بِدَلِيلِ قِصَّتَيْ أَبِي بَكْرٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَأَمَّا الصِّدِّيقُ فَإِنَّمَا أَمَّ غَيْرُهُ لِغِيبَتِهِ لِمَرَضِهِ وَاسْتِخْلَافِهِ إِيَّاهُ عَلَى الْإِمَامَةِ.

وَأَمَّا ابْنُ عَوْفٍ فَإِنَّمَا أَمَّ لِغِيبَتِهِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ بِتَقْدِيمِ النَّاسِ لَهُ حِينَ خَافُوا طُلُوعَ الشَّمْسِ، وَلِهَذَا لَمَّا أَتَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَمَّ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يَنْكُصَ حَتَّى أَشَارَ لَهُ أَنِ اثْبُتْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ حَدِيثُ الْبَابِ صَحِيحٌ بِلَا شَكٍّ وَإِنْ وَقَعَ فِي إِسْنَادِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>