سَمَاعِي مِنْ مُوَطَّأِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، فَوَجَدْتُهُ كَمَا قَالَ فِي التَّقَصِّي، وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَعَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ: " ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ "، وَالشَّكُّ فِيهِ مِنَ اللَّيْثِ، وَإِلَّا فَأَكْثَرُهُمْ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ مَالِكٍ وَلِمُسْلِمٍ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: فِي الرَّابِعَةِ وَالْمُقَصِّرِينَ.
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بِلَفْظِ مَالِكٍ سَوَاءٌ، وَبَيَانُ كَوْنِهَا فِي الرَّابِعَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: وَالْمُقَصِّرِينَ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ، أَيْ وَارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ، وَإِنَّمَا قَالَهُ بَعْدَ دُعَائِهِ لَهُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَيَكُونُ دُعَاؤُهُ لِلْمُقَصِّرِينَ فِي الرَّابِعَةِ.
وَرَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بِلَفْظِ: قَالَ فِي الثَّالِثَةِ، وَالْمُقَصِّرِينَ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ بِأَنَّ مَنْ قَالَ الرَّابِعَةَ فَعَلَى مَا شَرَحْنَاهُ، وَمَنْ قَالَ الثَّالِثَةَ أَرَادَ أَنَّ الْمُقَصِّرِينَ عَطْفٌ عَلَى الدَّعْوَةِ الثَّالِثَةِ، أَوْ أَرَادَ بِالثَّالِثَةِ مَسْأَلَةَ السَّائِلِينَ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَا يُرَاجَعُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، وَلَوْ لَمْ يَدْعُ لَهُمْ ثَالِثَ مَسْأَلَةٍ مَا سَأَلُوهُ.
وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: " «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَلِلْمُقَصِّرِينَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا، ثُمَّ قَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ» "، وَرِوَايَةُ مَنْ جَزَمَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَنْ شَكَّ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُتَكَلِّمُونَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قَالَ فِيهِ ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَهُوَ تَقْصِيرُ حَذْفٍ، وَإِنَّمَا جَرَى ذَلِكَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صُدَّ عَنِ الْبَيْتِ، وَهَذَا مَحْفُوظٌ مَشْهُورٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَحَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ وَغَيْرِهِمْ، ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ: " «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَغْفِرُ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا، وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً» " وَحَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: " «حَلَّقَ رِجَالٌ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَصَّرَ آخَرُونَ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ» " الْحَدِيثَ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ، بَلْ قَالَ وَذَكَرَ مَعْنَاهُ، وَتَجَوَّزَ فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِ تَعْيِينُ الْمَوْضِعِ، وَلَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِهِ لَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ وَقَعَ لَقَطَعْنَا بِأَنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، لِأَنَّهُ شَهِدَهَا، وَلَمْ يَشْهَدِ الْحُدَيْبِيَةَ، وَلَمْ يَسُقِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا شَيْئًا، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ الْحُدَيْبِيَةِ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ عَنْهُ، بَلْ صَرَّحَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِأَنَّهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِي وَعِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ، وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَإِلَيْهِ يُومِي صَنِيعُ الْبُخَارِيِّ وَمَالِكٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ حَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ، فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَلَمْ يُعَيِّنِ الْمَكَانَ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ حَبَشِيٍّ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ كَانَ فِيهَا.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرِهِمْ فَقَدْ وَرَدَ تَعْيِينُ الْحُدَيْبِيَةِ عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَكَذَا جَزَمَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّهُ فِي الْحُدَيْبِيَةِ، وَوَرَدَ تَعْيِينُ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَرْيَمَ السَّلُولِيِّ عِنْدَ أَحْمَدَ وَابْنِ أَبِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute