ثُمَّ صَلَّى عُمَرُ) الرُّبَاعِيَّةَ (رَكْعَتَيْنِ بِمِنًى، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ شَيْئًا) فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَقْصُرُونَ بِمِنًى إِذَا حَجُّوا، إِذْ لَوْ لَزِمَهُمُ الْإِتْمَامُ لَبَيَّنَهُ لَهُمْ كَمَا بَيَّنَهُ فِي مَكَّةَ، وَزَعْمُ أَنَّهُ تَرَكَهُ اكْتِفَاءً بِالْبَيَانِ بِمَكَّةَ مَمْنُوعٌ، وَسَنَدُهُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ لَا سِيَّمَا مَعَ اخْتِلَافِ الْمَحَلِّ، وَتَقَدَّمَ فِي الْقَصْرِ طَرِيقٌ ثَالِثٌ لِأَثَرِ عُمَرَ، وَهُوَ مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ فَذَكَرَهُ.
(سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ كَيْفَ صَلَاتُهُمْ بِعَرَفَةَ) الرُّبَاعِيَّةُ (رَكْعَتَانِ) هِيَ (أَمْ أَرْبَعٌ؟ وَكَيْفَ بِأَمِيرِ الْحَاجِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، أَيُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِعَرَفَةَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ) إِتْمَامًا (أَوْ رَكْعَتَيْنِ؟) قَصْرًا (وَكَيْفَ صَلَاةُ أَهْلِ مَكَّةَ فِي إِقَامَتِهِمْ؟) أَيَّامَ الرَّمْيِ (فَقَالَ مَالِكٌ: يُصَلِّي أَهْلُ مَكَّةَ بِعَرَفَةَ وَمِنًى مَا أَقَامُوا) مُدَّةَ إِقَامَتِهِمْ (بِهِمَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ) بِكُلِّ رُبَاعِيَّةٍ (يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى مَكَّةَ) عَمَلًا بِالسُّنَّةِ (قَالَ: وَأَمِيرُ الْحَاجِّ أَيْضًا إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَصَرَ الصَّلَاةَ بِعَرَفَةَ وَأَيَّامَ مِنًى) لِأَنَّ سَبَبَ الْقَصْرِ النُّسُكُ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ بَعِيدٍ وَقَرِيبٍ (وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ سَاكِنًا بِمِنًى مُقِيمًا بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ) الْأَحَدَ (يُتِمُّ الصَّلَاةَ بِمِنًى، وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ سَاكِنًا بِعَرَفَةَ مُقِيمًا بِهَا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَصْلِ أَهْلِهَا، فَالْمَدَارُ عَلَى الْإِقَامَةِ (فَإِنَّ ذَلِكَ يُتِمُّ الصَّلَاةَ بِهَا أَيْضًا) لِأَنَّهُمَا فِي أَوْطَانِهِمَا كَأَهْلِ مَكَّةَ إِذَا أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ بِمَكَّةَ يُتِمُّونَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى مِنًى وَعَرَفَةَ، فَالضَّابِطُ أَنَّ أَهْلَ كُلِّ مَكَانٍ يُتِمُّونَ فِيهِ، وَيَقْصُرُونَ فِيمَا عَدَاهُ، قَالَ ابْنُ الْمُنَيِّرِ: السِّرُّ فِي الْقَصْرِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْمُتَقَارِبَةِ إِظْهَارُ اللَّهِ تَعَالَى لِفَضْلِهِ عَلَى عِبَادِهِ حَتَّى اعْتَدَّ لَهُمْ بِالْحَرَكَةِ الْقَرِيبَةِ اعْتِدَادَهُ بِالسَّفَرِ الْبَعِيدِ، فَجَعَلَ الْوَافِدِينَ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى مَكَّةَ كَأَنَّهُمْ سَافَرُوا إِلَيْهَا ثَلَاثَةَ أَسْفَارٍ: سَفَرٌ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، وَلِهَذَا يَقْصُرُ أَهْلُ عَرَفَةَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَسَفَرٌ إِلَى مِنًى وَلِهَذَا يَقْصُرُ أَهْلُ الْمُزْدَلِفَةِ بِمِنًى، وَسَفَرٌ إِلَى مَكَّةَ، وَلِهَذَا يَقْصُرُ أَهْلُ مَكَّةَ فَهِيَ عَلَى قُرْبِهَا مِنْ عَرَفَةَ مَعْدُودَةٌ بِثَلَاثِ مَسَافَاتٍ كُلُّ مَسَافَةٍ مِنْهَا سَفَرٌ طَوِيلٌ، وَسِرُّ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ وَفْدُ اللَّهِ، وَأَنَّ الْبَعِيدَ كَالْقَرِيبِ فِي إِسْبَاغِ الْفَضْلِ، انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute