وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُحَصَّبِ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ مِنْ اللَّيْلِ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ
ــ
٩٢٤ - ٩٠٨ - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ) إِذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى (بِالْمُحَصَّبِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الثَّقِيلَةِ وَمُوَحَّدَةٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَتَبِعَهُ عِيَاضٌ: اسْمٌ لِمَكَانٍ مُتَّسِعٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى، وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى مِنًى، وَيُقَالُ لَهُ الْأَبْطَحُ وَالْبَطْحَاءُ وَخَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ وَالْخَيْفُ، وَإِلَى مِنًى يُضَافُ وَدَلِيلُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ عَالِمٌ بِمَكَّةَ وَأَحْرَازِهَا وَمِنًى وَأَقْطَارِهَا:
يَا رَاكِبًا قِفْ بِالْمُحَصَّبِ مِنْ مِنًى ... وَاهْتِفْ بِقَاطِنِ خَيْفِهَا وَالنَّاهِضِ
قَالَ الْأُبِّيُّ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إِذَا جُعِلَ مِنْ مِنًى فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِلْمُحَصَّبِ، أَمَّا إِذَا عُلِّقَ بِرَاكِبًا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:
نَظَرْتُ إِلَيْهَا بِالْمُحَصَّبِ مِنْ مِنًى ... وَفِي نَظَرٍ لَوْلَا التَّحَرُّجُ عَادِمُ
وَأَبْيَنُ مِنْهُمَا قَوْلُ مَجْنُونِ بَنِي عَامِرٍ:
وَدَاعٍ دَعَا إِذْ نَحْنُ بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى ... فَهَيَّجَ لَوْعَاتِ الْفُؤَادِ وَمَا يَدْرِي
دَعَا بِاسْمِ لَيْلَى غَيْرَهَا فَكَأَنَّمَا أَطَارَ ... بِلَيْلَى طَائِرًا كَانَ فِي صَدْرِي
وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إِذَا رَحَلُوا مِنْ مِنًى نَزَلُوا بِأَبْطَحِ مَكَّةَ وَصَلَّوُا الظُّهْرَ وَالثَّلَاثَةَ بَعْدَهَا وَيَدْخُلُونَ مَكَّةَ أَوَّلَ اللَّيْلِ، أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مِنًى.
(ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ مِنَ اللَّيْلِ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ) اتِّبَاعًا لِلْفِعْلِ النَّبَوِيِّ، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ " «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَنْزِلُونَ الْأَبْطَحَ» "، وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّهُ كَانَ يَرَى التَّحْصِيبَ سُنَّةً " قَالَ نَافِعٌ: " «وَقَدْ حَصَّبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ» "، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ: " «نُزُولُ الْأَبْطَحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ إِنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ كَانَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ إِذَا خَرَجَ» "، أَيْ أَسْهَلَ لِتَوَجُّهِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، لِيَسْتَوْعِبَ فِي ذَلِكَ الْبَطِيءَ وَالْمُتَعَذِّرَ، وَيَكُونُ مَبِيتُهُمْ وَقِيَامُهُمْ فِي السَّحَرِ، وَرَحِيلُهُمْ بِأَجْمَعِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَفِيهِمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِمَا، عَنْ أَبِي رَافِعٍ: " «وَكَانَ عَلَى ثِقْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَمْ يَأْمُرْنِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَنْزِلَ الْأَبْطَحَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى، وَلَكِنْ جِئْتُ، فَضَرَبْتُ قُبَّتَهُ فَجَاءَ فَنَزَلَ» ، انْتَهَى.
لَكِنْ لَمَّا نَزَلَهُ كَانَ النُّزُولُ بِهِ مُسْتَحَبًّا اتِّبَاعًا لَهُ لِتَقْرِيرِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ فَعَلَهُ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ