لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا بِاللَّيْلِ) مَا فَاتَهُمْ رَمْيُهُ نَهَارًا (يَقُولُ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ) أَيْ زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَبِهِمُ الْقُدْوَةُ، وَبِهَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: وِفَاقٌ لِلْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ إِذَا أَرْخَصَ لَهُمْ فِي تَأْخِيرِ الْيَوْمِ الثَّانِي فَرَمْيُهُمْ بِاللَّيْلِ أَوْلَى.
(قَالَ مَالِكٌ: تَفْسِيرُ الْحَدِيثِ) أَيْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ (الَّذِي أَرْخَصَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرِعَاءِ الْإِبِلِ) وَأَلْحَقَ بِهَا رِعَاءَ غَيْرِهَا، لِأَنَّ الْعِلَّةَ الِاشْتِغَالُ بِالرَّعْيِ (فِي) تَأْخِيرِ (رَمْيِ الْجِمَارِ فِيمَا نُرَى) بِضَمِّ النُّونِ، نَظُنُّ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) بِمَا أَرَادَ رَسُولُهُ (أَنَّهُمْ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ) جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ لِرَعْيِهِمْ (فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ الَّذِي يَلِي يَوْمَ النَّحْرِ) وَهُوَ ثَانِيهِ أَتَوْا يَوْمَ الثَّالِثِ، وَ (رَمَوْا مِنَ الْغَدِ، وَذَلِكَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ) لِمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ (فَيَرْمُونَ لِلْيَوْمِ الَّذِي مَضَى) ثَانِي النَّحْرِ (ثُمَّ يَرْمُونَ لِيَوْمِهِمْ ذَلِكَ) الْحَاضِرِ ثَالِثِ النَّحْرِ، وَإِنَّمَا كَانَ تَفْسِيرُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ظَاهِرِهِ أَنَّهُمْ يَرْمُونَ لِلْيَوْمَيْنِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ (لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي أَحَدٌ شَيْئًا حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ، فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَمَضَى كَانَ الْقَضَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ مَا فَاتَ وَقْتُهُ.
وَيَدُلُّ لِفَهْمِ الْإِمَامِ رِوَايَةُ سُفْيَانَ لِحَدِيثِ الْبَابِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدَعُوا يَوْمًا» " (فَإِنْ بَدَا لَهُمُ النَّفْرُ فَقَدْ فَرَغُوا) لِأَنَّهُمْ تَعَجَّلُوا فِي يَوْمَيْنِ (وَإِنْ أَقَامُوا) بِمِنًى (إِلَى الْغَدِ رَمَوْا مَعَ النَّاسِ يَوْمَ النَّفْرِ الْآخِرِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ (وَنَفَرُوا) : انْصَرَفُوا، وَأَمَّا أَهْلُ السِّقَايَةِ فَإِنَّمَا يُرَخَّصُ لَهُمْ فِي تَرْكِ الْبَيَاتِ بِمِنًى لَا فِي تَرْكِ رَمْيِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ، فَيَبِيتُونَ بِمَكَّةَ، وَيَرْمُونَ الْجِمَارَ نَهَارًا، وَيَعُودُونَ لِمَكَّةَ كَمَا فِي الطِّرَازِ الْمُذَهَّبِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " «اسْتَأْذَنَ الْعَبَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ» "، وَفِي رِوَايَةٍ: " «رَخَّصَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْعَبَّاسِ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ أَيَّامَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ» "، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِالْعَبَّاسِ وَهُوَ جُمُودٌ، وَقِيلَ: يُدْخَلُ مَعَهُ آلُهُ، وَقِيلَ: فَرِيقُهُ وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ، وَقِيلَ: كُلُّ مَنِ احْتَاجَ إِلَى السِّقَايَةِ فَلَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ قِيلَ: يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِسِقَايَةِ الْعَبَّاسِ حَتَّى لَوْ عَمِلَ سِقَايَةً لِغَيْرِهِ لَمْ يُرَخَّصْ لِصَاحِبِهَا فِي الْمَبِيتِ لِأَجْلِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ عَمَّمَهُ وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute