للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رِوَايَةٍ: هَذِهِ، أَيِ الْعُمْرَةُ (مَكَانُ) بِالرَّفْعِ خَبَرٌ، وَبِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَعَامِلُهُ الْمَحْذُوفُ وَهُوَ الْخَبَرُ، أَيْ كَائِنَةٌ أَوْ مَجْعُولَةٌ مَكَانَ (عُمْرَتِكِ) قَالَ عِيَاضٌ: وَالرَّفْعُ أَوْجَهُ عِنْدِي، إِذْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الظَّرْفَ إِنَّمَا أَرَادَ عِوَضَ عُمْرَتِكِ، فَمَنْ قَالَ: كَانَتْ قَارِنَةً، قَالَ: مَكَانَ عُمْرَتِكِ الَّتِي أَرَدْتِ أَنْ تَأْتِيَ بِهَا مُفْرِدَةً، وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ عُمْرَتُهَا مِنَ التَّنْعِيمِ تَطَوُّعًا، لَا عَنْ فَرْضٍ، لَكِنَّهُ أَرَادَ تَطْيِيبَ نَفْسِهَا بِذَلِكَ.

وَمَنْ قَالَ: كَانَتْ مُفْرِدَةً، قَالَ: مَكَانَ عُمْرَتِكِ الَّتِي فَسَخْتِ الْحَجَّ إِلَيْهَا، وَلَمْ تَتَمَكَّنْ مِنَ الْإِتْيَانِ بِهَا لِلْحَيْضِ.

وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: الْوَجْهُ النَّصْبُ عَلَى الظَّرْفِ، لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَتْ بِمَكَانٍ لِعُمْرَةٍ أُخْرَى، لَكِنْ إِنْ جُعِلْتَ - مَكَانُ - بِمَعْنَى - عِوَضُ أَوْ بَدَلُ - مَجَازًا، أَيْ هَذِهِ بَدَلُ عُمْرَتِكِ، جَازَ الرَّفْعُ حِينَئِذٍ.

(فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ) وَحْدَهَا (بِالْبَيْتِ، وَ) سَعَوْا، أَوْ طَافُوا بَيْنَ (الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أَحَلُّوا) مِنْهَا بِالْحَلْقِ أَوِ التَّقْصِيرِ (ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ) لِلْإِفَاضَةِ.

وَوَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ طَوَافًا وَاحِدًا، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَهُ عِيَاضٌ.

(بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ) يَوْمَ النَّحْرِ (وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا أَهَّلُوا بِالْحَجِّ) مُفْرَدًا (أَوْ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا) لِأَنَّ الْقَارِنَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ، لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ تَنْدَرِجُ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا بُدَّ لِلْقَارِنِ مِنْ طَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ، لِأَنَّ الْقِرَانَ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَلَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِالْإِتْيَانِ بِأَفْعَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ مَقْصُودَانِ فِيهِمَا فَلَا يَتَدَاخَلَانِ إِذْ لَا تَدَاخُلَ فِي الْعِبَادَاتِ.

وَحُكِيَ عَنِ الْعُمَرَيْنِ وَعَلِيٍّ وَابْنِهِ الْحَسَنِ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.

وَحَدِيثُ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا جَمَعَا بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا، وَطَافَا لَهُمَا طَوَافَيْنِ، وَسَعَيَا لَهُمَا سَعْيَيْنِ، وَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَنَعَ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ نَحْوَهُ، رَوَاهَا كُلَّهَا الدَّارَقُطْنِيُّ، لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهَا لِمَا فِي أَسَانِيدِ كُلٍّ مِنْهَا مِنَ الضَّعْفِ، وَفِي أَسَانِيدِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ الِاكْتِفَاءُ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ طَافَ طَوَافَيْنِ حُمِلَ عَلَى طَوَافِ الْقُدُومِ وَالْإِفَاضَةِ.

وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: لَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ أَصْلًا.

وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَفَاهُ لَهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ» "، وَأَعَلَّهُ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّ الدَّرَاوَرْدِيَّ أَخْطَأَ فِي رَفْعِهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ؛ لِأَنَّ أَيُّوبَ وَاللَّيْثَ وَمُوسَى بْنَ عُقْبَةَ وَغَيْرَ وَاحِدٍ رَوَوْهُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَوْقُوفًا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الدَّرَاوَرْدِيَّ صَدُوقٌ، وَلَيْسَ مَا رَوَاهُ مُخَالِفًا لِرِوَايَةِ غَيْرِهِ، فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَ نَافِعٍ عَلَى الْوَجْهَيْنِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>