عَلَى قَوْلِ النَّوَوِيِّ: انْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الطَّوَافِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي وُجُوبِهَا، وَجَبْرُهُ بِالدَّمِ إِنْ فَعَلَهُ فَلَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ كَمَا تَرَى، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ انْفِرَادَهُ عَنِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، لَكِنْ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّ الطَّهَارَةَ لِلطَّوَافِ وَاجِبَةٌ تُجْبَرُ بِالدَّمِ، وَلِلْمَالِكِيَّةِ قَوْلٌ يُوَافِقُهُ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْوَلِيُّ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى امْتِنَاعِ الطَّوَافِ عَلَى الْحَائِضِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي عِلَّتِهِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بِاشْتِرَاطِهَا، فَالْعِلَّةُ فِي بُطْلَانِهِ عَدَمُ الطَّهَارَةِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَدَاوُدُ: لَيْسَتْ شَرْطًا فَالْعِلَّةُ كَوْنُهَا مَمْنُوعَةً مِنَ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ، بَلْ وَمِنْ دُخُولِهِ عَلَى رَأْيٍ، انْتَهَى، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
(قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي تُهِلُّ) : تُحْرِمُ (بِالْعُمْرَةِ) مِنَ الْمِيقَاتِ (ثُمَّ تَدْخُلُ مَكَّةُ مُوَافِيَةً لِلْحَجِّ) أَيْ مُظِلَّةً عَلَيْهِ وَمُشْرِفَةً يُقَالُ: أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةِ كَذَا، أَيْ شَارَفَهَا، وَأَظَلَّ عَلَيْهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ دَخَلَ فِيهَا (وَهِيَ حَائِضٌ لَا تَسْتَطِيعُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ) لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ (إِنَّهَا) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ (إِذَا خَشِيَتِ الْفَوَاتَ) لِلْحَجِّ بِانْتِظَارِ الطُّهْرِ، وَأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ بَعْدَهُ (أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ، وَأَهْدَتْ وَكَانَتْ) أَيْ صَارَتْ قَارِنَةً (مِثْلَ مَنْ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ) ابْتِدَاءً (وَأَجْزَأَ عَنْهَا طَوَافٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّهُ الَّذِي عَلَى الْقَارِنِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ (وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ إِذَا كَانَتْ قَدْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَصَلَّتْ) رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، ثُمَّ حَاضَتْ (فَإِنَّهَا تَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) إِذْ لَيْسَتِ الطَّهَارَةُ شَرْطًا فِيهِ بِاتِّفَاقٍ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، لَكِنْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الْحَسَنِ مِثْلَ مَا قَالَ مَالِكٌ: إِذَا طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ قَبْلَ السَّعْيِ فَلْتَسْعَ، فَلَعَلَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَائِضِ وَالْمُحْدِثِ (وَتَقِفُ بِعَرَفَةَ، وَالْمُزْدَلِفَةِ، وَتَرْمِي الْجِمَارَ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تُفِيضُ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا) كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ: " «افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute