حَاجِبِي وَشَارِبِي ( «فَأَخَذَ بِجَبْهَتِي ثُمَّ قَالَ: احْلِقْ هَذَا الشَّعَرَ» ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " فَدَعَا الْحَلَّاقُ فَحَلَقَ رَأْسَهُ " ( «وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ» ) مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ لِكُلِّ إِنْسَانٍ (وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ) بِقَوْلِهِ لِي: أَتَجِدُ شَاةً؟ قُلْتُ: لَا (إِنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي مَا أَنْسُكُ بِهِ) فَلَمْ يَأْمُرْنِي بِهِ، فَلَا يُخَالِفُ الرِّوَايَاتِ الْكَثِيرَةَ أَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّاةِ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ عِنْدَهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ: " فَحَلَقْتُ رَأْسِي، وَنَسَكْتُ "، وَلَهُ وَلِلطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طُرُقٍ تَدُورُ عَلَى نَافِعٍ، قَالَ: " «فَحَلَقَ فَأَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَهْدِيَ بَقَرَةً» "، وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَى نَافِعٍ فِي الْوَاسِطَةِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَعْبٍ، وَعَارَضَهُ مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْهُ، أَنَّ الَّذِي أَمَرَ بِهِ كَعْبٌ، وَفَعَلَهُ إِنَّمَا هُوَ شَاةٌ، بَلْ قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ: لَفْظُ بَقَرَةٍ مُنْكَرٌ شَاذٌّ، ثُمَّ لَا يُعَارِضُ هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّهُ سَأَلَهُ: أَتَجِدُ شَاةً؟ قَالَ: لَا، لِاحْتِمَالٍ أَنَّهُ وَجَدَهَا بَعْدَمَا أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ لَا يَجِدُهَا فَنَسَكَ بِهَا.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ قَالَ: فَحَلَقْتُ وَصُمْتُ فَإِمَّا أَنَّهَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ، أَوْ أَنَّهُ فَعَلَ الصَّوْمَ أَيْضًا بِاجْتِهَادِهِ.
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ السُّنَّةَ مُبَيِّنَةٌ لِمُجْمَلِ الْقُرْآنِ، لِإِطْلَاقِ الْفِدْيَةِ فِيهِ وَتَقْيِيدِهَا بِالسُّنَّةِ، وَحُرْمَةِ حَلْقِ الرَّأْسِ عَنِ الْمُحْرِمِ وَالرُّخْصَةِ لَهُ فِي حَلْقِهَا إِذَا أَذَاهُ الْقَمْلُ، أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الْأَوْجَاعِ، وَوُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَى الْعَامِدِ بِلَا عُذْرٍ، فَإِنَّ إِيجَابَهَا عَلَى الْمَعْذُورِ مِنَ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى، وَأَنَّهَا عَلَى التَّخْيِيرِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ لِعُذْرٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَتَخَيَّرُ الْعَامِدُ بَلْ يَتَعَيَّنُ الدَّمُ.
(قَالَ مَالِكٌ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى: إِنَّ الْأَمْرَ فِيهِ أَنَّ أَحَدًا لَا يَفْتَدِي حَتَّى يَفْعَلَ مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ، وَإِنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَى صَاحِبِهَا، وَأَنَّهُ يَضَعُ فِدْيَتَهُ حَيْثُمَا شَاءَ) بِزِيَادَةِ مَا (النُّسُكَ أَوِ الصِّيَامَ أَوِ الصَّدَقَةَ بِمَكَّةَ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ) زِيَادَةُ إِيضَاحٍ لِقَوْلِهِ: حَيْثُ شَاءَ، بِخِلَافِ جَزَاءِ الصَّيْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ ٩٥) وَالْإِطْلَاقِ فِي آيَةِ: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ١٩٦) وَلَمَّا بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجْمَلَهَا فِي أَحَادِيثِ كَعْبٍ لَمْ يُقَيِّدْ بِمَكَّةَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَصْلُحُ لِلْمُحْرِمِ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنَ الصَّلَاحِ ضِدِّ الْفَسَادِ، وَهُوَ حَرَامٌ (أَنْ يَنْتِفَ مِنْ شَعَرِهِ شَيْئًا وَلَا يَحْلِقَهُ) : يُزِيلَهُ بِمُوسَى، أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute