(وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْفِدْيَةِ مِنَ الصِّيَامِ، أَوِ الصَّدَقَةِ، أَوِ النُّسُكِ أَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ فِي ذَلِكَ؟) وَلَوْ عَامِدًا بِلَا ضَرُورَةٍ (وَمَا النُّسُكُ؟ وَكَمِ الطَّعَامُ وَبِأَيِّ مُدٍّ هُوَ؟) بِالْمُدِّ النَّبَوِيِّ أَمْ مُدِّ هِشَامٍ؟ (وَكَمِ الصِّيَامُ؟ وَهَلْ يُؤَخِّرُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، أَمْ يَفْعَلُهُ فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ؟ قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي الْكَفَّارَاتِ كَذَا، أَوْ كَذَا) بِأَوْ (فَصَاحِبُهُ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ، أَيَّ شَيْءٍ أَحَبَّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فَعَلَ) وَقَدْ جَاءَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ بِأَوْ، فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ، «وَقَدْ خَيَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَعْبًا فِي الْفِدْيَةِ» " رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْهُ، وَرْوَرَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ (قَالَ: وَأَمَّا النُّسُكُ فَشَاةٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَعْبٍ: " أَوِ انْسُكْ بِشَاةٍ "، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا تَكْفِي فِي النُّسُكِ، فَأَعْلَى مِنْهَا أَوْلَى فِي الْكِفَايَةِ مِنْ بَقَرٍ أَوْ إِبِلٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: أَوِ انْسُكْ بِمَا تَيَسَّرَ.
(وَأَمَّا الصِّيَامُ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَأَمَّا الطَّعَامُ فَيُطْعِمُ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَفِي نُسْخَةٍ: مُدَّيْنِ مَفْعُولُ يُطْعِمُ كَمَا وَرَدَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ فَهُوَ بَيَانٌ لِمُجْمَلِ الْآيَةِ (بِالْمُدِّ الْأَوَّلِ مُدِّ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي الْبُخَارِيِّ: حَدَّثَنَا مُنْذِرُ بْنُ الْوَلِيدِ الْجَارُودِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: " كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي زَكَاةَ رَمَضَانَ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُدِّ الْأَوَّلِ، وَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَبُو قُتَيْبَةَ: قَالَ لَنَا مَالِكٌ: مُدُّنَا أَعْظَمُ مِنْ مُدِّكُمْ، وَلَا نَرَى الْفَضْلَ إِلَّا فِي مُدِّ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ لَنَا مَالِكٌ: لَوْ جَاءَ أَمِيرٌ فَضَرَبَ مُدًّا أَصْغَرَ مِنْ مُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تُعْطُونَ؟ قُلْتُ: كُنَّا نُعْطِي بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَفَلَا تُرَى أَنَّ الْأَمْرَ إِنَّمَا يَعُودُ إِلَى مُدِّ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْبُخَارِيِّ، وَهُوَ غَرِيبٌ مَا رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ إِلَّا أَبُو قُتَيْبَةَ، وَهُوَ سَلْمٌ، بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ، وَلَا عَنْهُ إِلَّا الْمُنْذِرُ، وَقَوْلُهُ: أَفَلَا تُرَى. . . إِلَخْ، مَعْنَاهُ: أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتِ الْأَمْدَادُ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ، وَالْحَادِثُ، وَهُوَ الْهِشَامِيُّ وَهُوَ زَائِدٌ عَلَيْهِ، وَالثَّالِثُ الْمَفْرُوضُ وُقُوعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ، وَهُوَ دُونُ الْأَوَّلِ كَانَ الرُّجُوعُ إِلَى الْأَوَّلِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ الَّذِي تَحَقَّقَتْ مَشْرُوعِيَّتُهُ لِنَقْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَهُ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، وَجِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَقَدْ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ بِمِثْلِ هَذَا إِلَى قَوْلِ مَالِكٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute