الْحِرْمَانِ لَا فِي نَفْيِ الْجَمْعِ.
وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُجَاهِدَ إِمَّا أَنْ يَتَشَهَّدَ أَوْ لَا، وَالثَّانِي لَا يَنْفَكُّ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ مَعَ إِمْكَانِ اجْتِمَاعِهِمَا، فَالْقَضِيَّةُ مَانِعَةُ خُلُوٍّ لَا مَانِعَةُ جَمْعٍ.
وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقُرْطُبِيُّ وَرَجَّحَهُ التُّورِبِشْتِيُّ، وَقَدْ وَقَعَ بِالْوَاوِ لِيَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ فِي الْمُوَطَّأِ، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ مَقَالٌ وَلَمْ يُخْتَلَفْ رِوَايَةً فِي أَنَّهَا بِأَوْ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِالْوَاوِ، وَلَكِنْ رَوَاهُ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ وَجَمَاعَةٌ عَنْ يَحْيَى بِأَوْ، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ مِينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بِالْوَاوِ وَقَالَ الْحَافِظُ: فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ مَحْفُوظَةً تَعَيَّنَ أَنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ نُحَاةِ الْكُوفِيِّينَ، لَكِنْ فِيهِ إِشْكَالٌ صَعْبٌ لِاقْتِضَائِهِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وُقُوعَ الضَّمَانِ بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ لِكُلِّ مَنْ رَجَعَ وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ ذَلِكَ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْغُزَاةِ يَرْجِعُ بِلَا غَنِيمَةٍ، فَمَا فَرَّ مِنْهُ مُدَّعًى أَنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ وَقَعَ فِي نَظِيرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَى ظَاهِرِهَا إِنْ رَجَعَ بِغَنِيمَةٍ رَجَعَ بِلَا أَجْرٍ، كَمَا يَلْزَمُ عَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ أَنَّ كُلَّ غَازٍ يُجْمَعُ لَهُ بَيْنَ الْأَجْرِ وَالْغَنِيمَةِ مَعًا انْتَهَى.
وَهَذَا الْإِشْكَالُ لِابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَأَجَابَ الدَّمَامِينِيُّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَرِدُ إِذَا كَانَ الْقَائِلُ إِنَّهَا لِلتَّقْسِيمِ قَدْ فَسَّرَ الْمُرَادَ بِمَا ذَكَرَهُ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ إِنْ فَاتَتْهُ الْغَنِيمَةُ. . . إِلَخْ.
وَأَمَّا إِنْ سَكَتَ عَنْهُ فَلَا يَتَّجِهُ الْإِشْكَالُ، إِذْ يُحْتَمَلُ أَنَّ التَّقْدِيرَ أَنْ يَرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ وَحْدَهُ أَوْ غَنِيمَةٍ وَأَجْرٍ كَمَا مَرَّ، وَالتَّقْسِيمُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ صَحِيحٌ وَالْإِشْكَالُ سَاقِطٌ، مَعَ أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهَا لِلتَّقْسِيمِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْمُرَادَ فَلَهُ الْأَجْرُ إِنْ فَاتَتْهُ الْغَنِيمَةُ، وَإِنْ حَصَلَتْ فَلَا لَمْ يَرِدِ الْإِشْكَالُ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ تَنْكِيرَ أَجْرٍ لِتَعْظِيمِهِ وَيُرَادُ بِهِ الْأَجْرُ الْكَامِلُ، فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ إِنْ فَاتَتْهُ الْغَنِيمَةُ الْأَجْرُ الْكَامِلُ، وَإِنْ حَصَلَتْ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ هَذَا الْأَجْرُ الْمَخْصُوصُ وَهُوَ الْكَامِلُ فَلَا يَلْزَمُ انْتِفَاءُ مُطْلَقِ الْأَجْرِ عَنْهُ انْتَهَى.
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي مَرْفُوعًا: " «مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُصِيبُونَ الْغَنِيمَةَ إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ مِنَ الْآخِرَةِ وَيَبْقَى لَهُمُ الثُّلُثُ فَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ» " قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا يُؤَيِّدُ التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ وَأَنَّ الَّذِي يَغْنَمُ يَرْجِعُ بِأَجْرٍ لَكِنَّهُ أَنْقَصُ مِنْ أَجْرِ مَنْ لَمْ يَغْنَمْ فَتَكُونُ الْغَنِيمَةُ فِي مُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْغَزْوِ فَإِذَا قُوبِلَ أَجْرُ الْغَانِمِ بِمَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَتَمَتُّعِهِ بِهِ بِأَجْرِ مَنْ لَمْ يَغْنَمْ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ كَانَ أَجْرُ مَنْ غَنِمَ دُونَ أَجْرِ مَنْ لَمْ يَغْنَمْ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ خَبَّابٍ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «فَمِنَّا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا» " وَاسْتُشْكِلَ نَقْصُ ثَوَابِ الْمُجَاهِدِ بِأَخْذِ الْغَنِيمَةِ بِمُخَالَفَتِهِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ وَاشْتُهِرَ مِنْ تَمَدُّحِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحِلِّ الْغَنِيمَةِ وَجَعْلِهَا مِنْ فَضَائِلِ أُمَّتِهِ، فَلَوْ نَقَصَتِ الْأَجْرَ مَا وَقَعَ التَّمَدُّحُ بِهَا، وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّ أَجْرَ أَهْلِ بَدْرٍ أَنْقَصُ مِنْ أَجْرِ أَهْلِ أُحُدٍ مَثَلًا، مَعَ أَنَّ أَهْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute