للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَمْ يَأْتِ بِهِ رِوَايَةٌ هُنَا كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ، إِنَّمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " «إِنَّ فَرَسَ الْمُجَاهِدِ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ فَيُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٍ» " (ذَلِكَ مِنَ الْمَرْجِ) الْأَرْضِ الْوَاسِعَةِ ذَاتِ كَلَأٍ يُرْعَى فِيهِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهَا تَمْرَجُ فِيهِ أَيْ تَسْرَحُ وَتَجِيءُ وَتَذْهَبُ كَيْفَ شَاءَتْ.

(أَوِ الرَّوْضَةِ) بِالشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي كَسَابِقِهِ (كَانَ) مَا أَصَابَتْهُ وَفِي نُسْخَةٍ كَانَتْ بِالتَّأْنِيثِ نَظَرًا لِمَعْنَى مَا (لَهُ حَسَنَاتٍ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجِدُهَا مَوْفُورَةً (وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا ذَلِكَ، فَاسْتَنَّتْ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَشَدِّ النُّونِ جَرَتْ بِنَشَاطٍ (شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَالْفَاءِ فِيهِمَا شَوْطًا أَوْ شَوْطَيْنِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْعَالِيَ يُشْرِفُ عَلَى مَا يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ، وَالشَّرَفُ: الْعَالِي مِنَ الْأَرْضِ فَبَعُدَتْ عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي رَبَطَهَا فِيهِ وَرَعَتْ فِي غَيْرِهِ (كَانَتْ آثَارُهَا) بِالْمَدِّ وَالْمُثَلَّثَةِ فِي الْأَرْضِ بِحَوَافِرِهَا عِنْدَ خُطُوَاتِهِ (وَأَرْوَاثُهَا) بِمُثَلَّثَةٍ جَمْعُ رَوْثٍ أَيْ ثَوَابُهَا لَا أَنَّهَا بِعَيْنِهَا تُوزَنُ (حَسَنَاتٍ لَهُ) أَيْ لِصَاحِبِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ (وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِهَا (فَشَرِبَتْ مِنْهُ) بِغَيْرِ قَصْدِ صَاحِبِهَا (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَ) بِحَذْفِ الْمَفْعُولِ وَلِلْقَعْنَبِيِّ أَنْ يَسْقِيَهَا (بِهِ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ (كَانَ ذَلِكَ) أَيْ شُرْبُهَا وَإِرَادَتُهُ أَنْ يَسْقِيَهَا بِغَيْرِهِ (لَهُ حَسَنَاتٍ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَفِيهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُؤْجَرُ عَلَى التَّفَاصِيلِ الَّتِي تَقَعُ فِي فِعْلِ الطَّاعَةِ إِذَا قَصَدَ أَجْرَهَا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ تِلْكَ بِعَيْنِهَا.

وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: قِيلَ إِنَّمَا أُجِرَ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتٌ لَا يَنْتَفِعُ بِشُرْبِهَا فِيهِ فَيَغْتَمُّ صَاحِبُهَا بِذَلِكَ فَيُؤْجَرُ، وَقِيلَ إِنَّ الْمُرَادَ حَيْثُ تَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَيَغْتَمُّ صَاحِبُهَا بِذَلِكَ فَيُؤْجَرُ، وَكُلُّ ذَلِكَ عُدُولٌ عَنِ الْقَصْدِ (فَهِيَ لَهُ أَجْرٌ) فِي الْوَجْهَيْنِ.

(وَ) الْقِسْمُ الثَّانِي الَّذِي هِيَ لَهُ سَتْرٌ (رَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ النُّونِ الثَّقِيلَةِ وَتَحْتِيَّةٍ أَيِ اسْتِغْنَاءً عَنِ النَّاسِ، يُقَالُ: تَغَنَّيْتُ بِمَا رَزَقَنِي اللَّهُ تَغَنِّيًا، وَتَغَانَيْتُ تَغَانِيًا، وَاسْتَغْنَيْتُ اسْتِغْنَاءً كُلُّهَا بِمَعْنًى، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَطْلُبُ بِنِتَاجِهَا أَوْ بِمَا حَصَّلَ مِنْ أُجْرَتِهَا مِمَّنْ يَرْكَبُهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ تَغَنِّيًا عَنْ سُؤَالِ النَّاسِ (وَتَعَفُّفًا) عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ.

وَفِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: أَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا تَعَفُّفًا وَتَكَرُّمًا وَتَجَمُّلًا (وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا) بِلَا حِسَابٍ إِلَيْهَا وَالْقِيَامَ بِفِعْلِهَا وَالشَّفَقَةَ عَلَيْهَا فِي رُكُوبِهَا، وَخَصَّ رِقَابَهَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا تُسْتَعَارُ كَثِيرًا فِي الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ ٩٢) (وَلَا) فِي (ظُهُورِهَا) بِإِطْرَاقِ فَحْلِهَا وَالْحَمْلِ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لَا يُحَمِّلُهَا مَا لَا تُطِيقُهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ، هَذَا قَوْلُ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الزَّكَاةَ فِي الْخَيْلِ وَهُمُ الْجُمْهُورُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْحَقِّ الزَّكَاةُ وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>