ذَلِكَ.
(عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ) مُرْسَلٌ وَصَلَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ وَالنَّسَائِيِّ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كِلَاهُمَا عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ( «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلًا» ؟) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ أَكْثَرِهِمْ ثَوَابًا وَأَرْفَعِهِمْ دَرَجَةً، قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ وَتَقْدِيرُهُ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ وَإِلَّا فَالْعُلَمَاءُ الَّذِينَ حَمَلُوا النَّاسَ عَلَى الشَّرَائِعِ وَالسُّنَنِ وَقَادُوهُمْ إِلَى الْخَيْرِ أَفْضَلُ وَكَذَا الصِّدِّيقُونَ كَمَا جَاءَ بِهِ الْأَحَادِيثُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ «أَنَّ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ رَجُلًا عَمِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ» " بِمِنْ " الَّتِي لِلتَّبْعِيضِ (رَجُلٌ آخِذٌ) اسْمُ فَاعِلٍ (بِعِنَانِ) - بِكَسْرِ الْعَيْنِ - لِجَامِ (فَرَسِهِ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) لِبَذْلِهِ نَفْسَهُ وَمَالَهُ لِلَّهِ تَعَالَى، قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ أَنَّهُ يُوَاظِبُ عَلَى ذَلِكَ، وَوُصِفَ بِأَنَّهُ آخِذٌ بِعِنَانِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو غَالِبًا مِنْ ذَلِكَ رَاكِبًا أَوْ قَائِدًا هَذَا مُعْظَمُ أَمْرِهِ، فَوَصَفَ بِذَلِكَ جَمِيعَ أَحْوَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ آخِذًا بِعِنَانِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قِيلَ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ مُؤْمِنٌ مُجَاهِدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ» " قَالَ الْحَافِظُ: كَانَ الْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِ الْقَائِمِ بِمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ وَحَصَّلَ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ لَا مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْجِهَادِ وَأَهْلِ الْوَاجِبَاتِ الْعَيْنِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَظْهَرُ فَضْلُ الْمُجَاهِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَذْلِ نَفْسِهِ وَمَالِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِمَا فِيهِ مِنَ النَّفْعِ الْمُتَعَدِّي.
( «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلًا» ) وَفِي رِوَايَةٍ " مَنْزِلَةً " (بَعْدَهُ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي غُنَيْمَتِهِ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرًا إِشَارَةً إِلَى قِلَّتِهَا (يُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ وَيَعْبُدُ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) زَادَ فِي الطَّرِيقِ الْمَوْصُولَةِ: " وَيَعْتَزِلُ شُرُورَ النَّاسِ " وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: " قِيلَ: ثُمَّ مَنْ قَالَ: «مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ» " وَإِنَّمَا كَانَ تِلْوَ الْمُجَاهِدِ فِي الْفَضْلِ لِأَنَّ مُخَالِطَ النَّاسِ لَا يَسْلَمُ مِنِ ارْتِكَابِ الْآثَامِ فَقَدْ لَا يَفِي هَذَا بِهَذَا، فَفِيهِ فَضْلُ الْعُزْلَةِ لِمَا فِيهَا مِنَ السَّلَامَةِ مِنْ غَيْبَةٍ وَلَغْوٍ وَغَيْرِهِمَا، لَكِنْ قَالَ الْجُمْهُورُ: مَحَلُّ ذَلِكَ عِنْدَ وُقُوعِ الْفِتَنِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا: " «الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْمُؤْمِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ» " وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «يَأْتِي النَّاسَ زَمَانٌ يَكُونُ خَيْرَ النَّاسِ فِيهِ مَنْزِلَةً مَنْ أَخَذَ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَطْلُبُ الْمَوْتَ فِي مَظَانِّهِ وَرَجُلٌ فِي شِعْبٍ مِنْ هَذِهِ الشِّعَابِ يُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ وَيَدَعُ النَّاسَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ.
وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَنَّ رَجُلًا مَرَّ بِشِعْبٍ فِيهِ عَيْنٌ عَذْبَةٌ أَعْجَبَهُ فَقَالَ: لَوِ اعْتَزَلْتُ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ مَقَامَ أَحَدِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةٍ فِي بَيْتِهِ سَبْعِينَ عَامًا» " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute