وَإِلَى مُنَازَعَةِ الظَّالِمِ الْجَائِرِ ذَهَبَتْ طَوَائِفُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَعَامَّةُ الْخَوَارِجِ، أَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَقَالُوا: الِاخْتِيَارُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ فَاضِلًا عَدْلًا مُحْسِنًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالصَّبْرُ عَلَى طَاعَةِ الْجَائِرِ أَوْلَى مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنِ اسْتِبْدَالِ الْأَمْنِ بِالْخَوْفِ وَهَرْقِ الدِّمَاءِ وَشَنِّ الْغَارَاتِ وَالْفَسَادِ وَذَلِكَ أَعْظَمُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِ وَفِسْقِهِ، وَالْأُصُولُ تَشْهَدُ وَالْعَقْلُ وَالدِّينُ أَنَّ أَوْلَى الْمَكْرُوهَيْنِ أَوْلَاهُمَا بِالتَّرْكِ.
(وَأَنْ نَقُولَ) بِاللَّامِ (أَوْ نَقُومَ) بِالْمِيمِ شَكٌّ مِنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَوْ مَالِكٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالْأَلْفَاظِ وَمُرَاعَاتِهَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ) أَيْ فِي نُصْرَةِ دِينِهِ (لَوْمَةَ لَائِمٍ) مِنَ النَّاسِ، وَاللَّوْمَةُ الْمَرَّةُ مِنَ اللَّوْمِ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَفِيهَا وَفِي التَّنْكِيرِ مُبَالَغَتَانِ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا نَخَافُ شَيْئًا قَطُّ مِنْ لَوْمِ أَحَدٍ مِنَ اللُّوَّامِ، وَ " لَوْمَةَ " مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ فِي الْمَعْنَى، وَفِيهِ تَغْيِيرُ الْمُنْكَرِ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَلْحَقْهُ فِي تَغْيِيرِهِ إِلَّا اللَّوْمُ الَّذِي لَا يَتَعَدَّى إِلَى الْأَذَى وَجَبَ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَبِقَلْبِهِ، وَكَمَا وَجَبَتْ مُجَاهَدَةُ الْكُفَّارِ حَتَّى يَظْهَرَ دِينُ اللَّهِ كَمَا قَالَ: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: ٧٨] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ ٧٨) كَذَلِكَ يَجِبُ مُجَاهَدَةُ كُلِّ مَنْ عَانَدَ الْحَقَّ حَتَّى يَظْهَرَ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَالِكٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ جُمْهُورُ رُوَاتِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمَا خَالَفَهُ عَنْ مَالِكٍ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فَذَكَرَهُ مَبْسُوطًا أَضْرَبْتُ عَنْهُ لِأَنَّ الشَّيْخَيْنِ لَمْ يَلْتَفِتَا إِلَيْهِ وَاعْتَمَدَا رِوَايَةَ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ، فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَمُسْلِمٌ فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute