الثَّوْرِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ (عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً) فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ قِطْعَةٌ مِنَ الْجَيْشِ تَخْرُجُ مِنْهُ تُغِيرُ وَتَرْجِعُ إِلَيْهِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَكُونُ خُلَاصَةَ الْعَسْكَرِ وَخِيَارَهُمْ مِنَ الشَّيْءِ النَّفِيسِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا تُخْفِي ذَهَابَهَا فَتَسْرِي فِي خُفْيَةٍ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا أُخِذَتْ مِنَ السِّرِّ، وَلَا يَصِحُّ لِاخْتِلَافِ الْمَادَّةِ لِأَنَّ لَامَ السِّرِّ رَاءٌ وَهَذِهِ يَاءٌ قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ اخْتِلَافَهَا إِنَّمَا يَمْنَعُ الِاشْتِقَاقَ الصَّغِيرَ وَهُوَ رَدُّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلٍ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى وَالْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ، وَيَجُوزُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْأَخْذِ مُجَرَّدُ الرَّدِّ لِلْمُنَاسَبَةِ وَالِاشْتِرَاكِ فِي أَكْثَرِ الْحُرُوفِ، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: السَّرِيَّةُ مِنْ خَمْسَةٍ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ، وَقَالَ الْخَلِيلُ: نَحْوُ أَرْبَعِمِائَةٍ، وَفِي النِّهَايَةِ يَبْلُغُ أَقْصَاهَا أَرْبَعَمِائَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ (يَقُولُ لَهُمُ اغْزُوَا بِاسْمِ اللَّهِ) أَيِ ابْدَءُوا بِذِكْرِ اللَّهِ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ أَخْلِصُوا نِيَّاتِكُمْ (تُقَاتِلُونَ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ) كَأَنَّهُ بَيَانٌ لِسَبِيلِ اللَّهِ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ اقْتَضَاهُ كَأَنَّهُ قِيلَ مَا هُوَ فَلِذَا تَرَكَ الْعَاطِفَ (لَا تَغْلُوا) أَيْ لَا تَخُونُوا فِي الْمَغْنَمِ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ آخِذَهُ يَغُلُّهُ فِي مَتَاعِهِ أَيْ يُخْفِيهِ، وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ (وَلَا تَغْدِرُوا) بِكَسْرِ الدَّالِ ثُلَاثِيٌّ أَيْ لَا تَتْرُكُوا الْوَفَاءَ (وَلَا تُمَثِّلُوا) بِالتَّشْدِيدِ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّكْثِيرِ أَيْ لَا تُقَطِّعُوا الْقَتْلَى (وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا) أَيْ صَبِيًّا وَيَقُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ يُؤَمِّرُهُ (وَقُلْ ذَلِكَ لِجُيُوشِكَ وَسَرَايَاكَ) وَقَوْلُهُ: (إِنْ شَاءَ اللَّهُ) لِلتَّبَرُّكِ (وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ) وَفِيهِ فَوَائِدُ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَهِيَ تَحْرِيمُ الْغَدْرِ وَالْغُلُولِ وَقَتْلِ الصِّبْيَانِ إِذَا لَمْ يُقَاتِلُوا وَكَرَاهَةُ الْمُثْلَةِ وَاسْتِحْبَابُ وَصِيَّةِ الْإِمَامِ أُمَرَاءَهُ وَجُيُوشَهُ بِالتَّقْوَى وَالرِّفْقِ وَتَعْرِيفِ مَا يَحْتَاجُونَ فِي غَزْوِهِمْ، وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَمَا يَحِلُّ لَهُمْ وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ وَمَا يُكْرَهُ وَمَا يُسْتَحَبُّ قَالَهُ النَّوَوِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute