فَقَالُوا: إِذَا قَتَلَ كَلْبَ صَيْدٍ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ أَدَّاهَا، فَإِنْ قَتَلَ عَبْدًا مُسْلِمًا لَمْ يُؤَدِّ فِيهِ إِلَّا دُونَ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَالْحَقُّ أَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْخَبَرِ وَلَمْ يَنْفَرِدْ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا قَالَ فَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي مُوسَى لَكِنَّ الثَّابِتَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ كَالْجُمْهُورِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِأَنَّ الْفَرَسَ يَحْتَاجُ إِلَى مُؤْنَةٍ لِخِدْمَتِهَا وَعَلَفِهَا وَبِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا مِنَ الْغَنَاءِ فِي الْحَرْبِ مَا لَا يَخْفَى.
(سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ يَحْضُرُ بِأَفْرَاسٍ كَثِيرَةٍ فَهَلْ يُقْسَمُ لَهَا كُلِّهَا؟ فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ بِذَلِكَ وَلَا أَرَى أَنْ يُقْسَمَ إِلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ الَّذِي يُقَاتِلُ عَلَيْهِ) وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ لَا أَكْثَرَ لِحَدِيثِ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: " «أَسْهَمَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَرَسَيَّ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ وَلِي سَهْمًا فَأَخَذْتُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ» " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ يُسْهِمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى بِسَهْمٍ لِكُلٍّ بَالِغًا مَا بَلَغَتْ.
(قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى الْبَرَاذِينَ) جَمْعُ بِرْذَوْنٍ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُرَادُ الْجُفَاةُ الْخِلْقَةُ مِنَ الْخَيْلِ وَأَكْثَرُ مَا تُجْلَبُ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ وَلَهَا جَلَدٌ عَلَى السَّيْرِ فِي الشِّعَابِ وَالْجِبَالِ وَالْوَعْرِ بِخِلَافِ الْخَيْلِ الْعَرَبِيَّةِ.
(وَالْهُجُنَ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَالْجِيمِ جَمْعُ هَجِينٍ كَبُرُدٍ وَبَرِيدٍ وَهُوَ مَا أَحَدُ أَبَوَيْهِ عَرَبِيٌّ، وَقِيلَ الْهَجِينُ الَّذِي أَبُوهُ عَرَبِيٌّ، وَأَمَّا الَّذِي أُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ فَيُسَمَّى الْمُقْرِفَ، وَعَنْ أَحْمَدَ الْهَجِينُ الْبِرْذَوْنُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي الْحُكْمِ (إِلَّا مِنَ الْخَيْلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: وَ) خَلَقَ (الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا) وَجْهُ الِاحْتِجَاجِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَّ بِرُكُوبِ الْخَيْلِ وَقَدْ أَسْهَمَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاسْمُ الْخَيْلِ يَقَعُ عَلَى الْبِرْذَوْنِ وَالْهَجِينِ بِخِلَافِ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فَكَأَنَّ الْآيَةَ اسْتَوْعَبَتْ مَا رُكِبَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ لِمَا يَقْتَضِيهِ الِامْتِنَانُ، فَلَمَّا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْبِرْذَوْنِ وَالْهَجِينِ فِيهَا دَلَّ عَلَى دُخُولِهِمَا فِي الْخَيْلِ قَالَهُ ابْنُ بَطَّالٍ.
(وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَعِدُّوا لَهُمْ) لِقِتَالِهِمْ (مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ الرَّمْيُ (وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ) مَصْدَرٌ بِمَعْنَى حَبْسِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (تُرْهِبُونَ) تُخَوِّفُونَ (بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الْكُفَّارَ، فَعُمُومُ الْخَيْلِ شَامِلٌ لِلْبَرَاذِينِ وَالْهَجِينِ (فَأَنَا أَرَى الْبَرَاذِينَ وَالْهُجُنَ مِنَ الْخَيْلِ إِذَا أَجَازَهَا الْوَالِي)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute