السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَسَّانَ بْنِ فَائِدٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ (قَالَ: كَرَمُ الْمُؤْمِنِ تَقْوَاهُ) أَيْ فَضْلُهُ إِنَّمَا هُوَ بِالتَّقْوَى قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] (سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: الْآيَةُ ١٣) وَفِي الْمَرْفُوعِ: " «كَرَمُ الْمَرْءِ دِينُهُ» أَيْ بِهِ يَشْرُفُ وَيَكْرُمُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا قَوْلًا وَفِعْلًا " وَالْكَرَمُ كَثْرَةُ الْخَيْرِ وَالْمَنْفَعَةِ لَا مَا فِي الْعُرْفِ مِنَ الْإِنْفَاقِ وَالْبَذْلِ سَرَفًا وَفَخْرًا.
(وَدِينُهُ حَسَبُهُ) أَيْ شَرَفُهُ انْتِسَابُهُ إِلَى الدِّينِ لَا إِلَى الْآبَاءِ، وَفِي الْمَرْفُوعِ: " وَحَسَبُهُ خُلُقُهُ " بِالضَّمِّ أَيْ لَيْسَ شَرَفُهُ بِشَرَفِ آبَائِهِ بَلْ بِمَحَاسِنِ أَخْلَاقِهِ.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: أَرَادَ أَنَّ الْحَسَبَ يَحْصُلُ لِلرَّجُلِ بِكَرَمِ أَخْلَاقِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ وَإِذَا كَانَ حَسِيبَ الْآبَاءِ فَهُوَ أَكْرَمُ لَهُ.
(وَمُرُوءَتُهُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَالرَّاءِ وَبِالْهَمْزِ (خُلُقُهُ) بِضَمَّتَيْنِ أَيْ إِنَّ الْمُرُوءَةَ الَّتِي يُحْمَدُ النَّاسُ عَلَيْهَا وَيُوصَفُونَ بِأَنَّهُمْ مِنْ ذَوِي الْمُرُوءَاتِ إِنَّمَا هِيَ مَعَانٍ مُخْتَصَّةٌ بِالْأَخْلَاقِ مِنَ الصَّبْرِ وَالْحِلْمِ وَالْجُودِ وَالْإِيثَارِ.
قَالَ الْعَلَائِيُّ: حَاصِلُ الْمُرُوءَةِ رَاجِعَةٌ إِلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ لَكِنَّهَا إِذَا كَانَتْ غَرِيزَةٌ تُسَمَّى مُرُوءَةً، وَقِيلَ الْمُرُوءَةُ إِنْصَافُ مَنْ دُونَكَ، وَالسُّمُوُّ إِلَى مَنْ فَوْقِكَ، وَالْجَزَاءُ عَمَّا أُوتِيَ إِلَيْكَ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ.
وَفِي الْمَرْفُوعِ: " وَمُرُوءَتُهُ عَقْلُهُ " أَيْ لِأَنَّ بِهِ يَتَمَيَّزُ عَنِ الْحَيَوَانَاتِ وَيَعْقِلُ نَفْسَهُ عَنْ كُلِّ خُلُقٍ دَنِيءٍ وَيَكُفُّهَا عَنْ شَهَوَاتِهَا الرَّدِيَّةِ وَطِبَاعِهَا الدَّنِيَّةِ وَيُؤَدِّي إِلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ مِنَ الْحَقِّ وَالْخَلْقِ.
(وَالْجُرْأَةُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْهَمْزِ وَالْقَصْرِ بِوَزْنِ الْجُرْعَةِ الْهُجُومُ وَالْإِسْرَاعُ بِغَيْرِ تَوَقُّفٍ
(وَالْجُبْنُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ ضَعْفٌ لِلْقَلْبِ (غَرَائِزُ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ فِرَاءٍ آخِرُهُ زَايٌ مَنْقُوطَةٌ جَمْعُ غَرِيزَةٍ أَيْ طَبَائِعُ لَا تُكْتَسَبُ، وَجَمْعٌ إِمَّا لِأَنَّ الْجَمْعَ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ (يَضَعُهَا اللَّهُ حَيْثُ شَاءَ) مِنْ خَلْقِهِ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو يَعْلَى عَنْ مَعْدِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ الْمُوَطَّأِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى هُنَا، وَمَعْدِيٌّ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ الشَّاذَكُونِيُّ: كَانَ مِنْ أَفْضَلِ النَّاسِ وَكَانَ يُعَدُّ مِنَ الْأَبْدَالِ، وَصَحَّحَهُ لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا، وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِهِ بِهَذَا السَّنَدِ: " «الْحَسَبُ الْمَالُ وَالْكَرَمُ التَّقْوَى» ".
وَرَوَى بَعْضُهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَتُعُقِّبَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفْعُهُ: " «كَرَمُ الْمُؤْمِنِ دِينُهُ وَمُرُوءَتُهُ وَحَسَبُهُ خُلُقُهُ» " ( «فَالْجَبَانُ يَفِرُّ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ» ) لِأَنَّهُ لِجُبْنِهِ لَا يَسْتَطِيعُ الدَّفْعَ عَنْهُمَا فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمَا ( «وَالْجَرِيءُ يُقَاتِلُ عَمَّا لَا يَئُوبُ» ) يَرْجِعُ (بِهِ إِلَى رَحْلِهِ) لِأَنَّ قِتَالَهُ بِمَحْضِ الْهُجُومِ وَالسُّرْعَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِنَفْعٍ يَعُودُ عَلَيْهِ.
( «وَالْقَتْلُ حَتْفٌ مِنَ الْحُتُوفِ» ) أَيْ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَوْتِ كَالْمَوْتِ بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَلِأَنْ يَمُوتَ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ مَوْتِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، فَيَجِبُ أَنْ لَا يَرْتَاعَ مِنْهُ وَلَا يَهَابَ هَيْبَةً تُوَرِّثُ الْجُبْنَ.
قَالَ الشَّاعِرُ: