مَحْرَمٌ، وَصَحَّحَ الْحَافِظُ الدِّمْيَاطِيُّ أَنْ لَا مَحْرَمِيَّةَ بَيْنَهُمَا فِي جُزْءٍ أَفْرَدَهُ لِذَلِكَ وَقَالَ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْخَلْوَةِ بِهَا، فَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ مَعَ وَلَدٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ خَادِمٍ أَوْ تَابِعٍ، وَالْعَادَةُ تَقْضِي الْمُحَافَظَةَ بَيْنَ الْمَخْدُومِ وَأَهْلِ الْخَادِمِ لَا سِيَّمَا إِذَا كُنَّ مُسِنَّاتٍ مَعَ مَا ثَبَتَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْعِصْمَةِ وَقِيلَ: هُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ وَإِلَيْهِ أَوْمَأَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالَّذِي وَضَحَ لَنَا بِالْأَدِلَّةِ الْقَوِيَّةِ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَازُ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالنَّظَرِ إِلَيْهَا لِمَكَانِ عِصْمَتِهِ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِأَنَّ الْخَصَائِصَ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، قَالَ: وَثُبُوتُ الْعِصْمَةِ مُسَلَّمٌ لَكِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ (فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا) أَيْ فِي يَوْمٍ وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ بِالْقَافِ أَيْ نَامَ وَقْتَ الْقَائِلَةِ (ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ) سُرُورًا بِكَوْنِ أُمَّتِهِ تَبْقَى بَعْدَهُ مُظْهِرَةً أُمُورَ الْإِسْلَامِ قَائِمَةً بِالْجِهَادِ حَتَّى فِي الْبَحْرِ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ.
(قَالَتْ) أُمُّ حَرَامٍ (فَقُلْتُ مَا يُضْحِكُكَ؟) بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ ( «قَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ» ) بِشَدِّ الْيَاءِ حَالَ كَوْنِهِمْ ( «غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ» ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالْجِيمِ (هَذَا) بِمَعْنَى ذَلِكَ (الْبَحْرِ) أَيْ وَسَطَهُ أَوْ مُعْظَمَهُ أَوْ هُوَ لَهُ أَقْوَالٌ، وَلِمُسْلِمٍ: يَرْكَبُونَ ظَهْرَ الْبَحْرِ أَيِ السُّفُنَ الَّتِي تَجْرِي عَلَى ظَهْرِهِ، وَلَمَّا كَانَ غَالِبُ جَرْيِهَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي وَسَطِهِ قِيلَ الْمُرَادُ وَسَطُهُ وَإِلَّا فَلَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالرُّكُوبِ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ الْأَخْضَرِ فَقِيلَ الْمُرَادُ الْأَسْوَدُ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الْأَخْضَرُ صِفَةٌ لَازِمَةٌ لِلْبَحْرِ لَا مُخَصِّصَةٌ إِذْ كُلُّ الْبِحَارِ خُضْرٌ، فَإِنْ قِيلَ الْمَاءُ بَسِيطٌ لَا لَوْنَ لَهُ، قُلْتُ تُتَوَهَّمُ الْخُضْرَةُ مِنِ انْعِكَاسِ الْهَوَاءِ وَسَائِرِ مُقَابَلَاتِهِ إِلَيْهِ (مُلُوكًا) نُصِبَ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ مِثْلَ مُلُوكٍ كَذَا قِيلَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَالٌ ثَانِيَةٌ مِنْ نَاسٍ بِالتَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ (عَلَى الْأَسِرَّةِ) جَمْعُ سَرِيرٍ كَسُرُرٍ بِضَمَّتَيْنِ (أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ - يَشُكُّ) بِالْمُضَارِعِ (إِسْحَاقُ -) شَيْخُ مَالِكٍ فِي اللَّفْظِ الَّذِي قَالَهُ أَنَسٌ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: رَأَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صِفَتَهُمْ فِي الْجَنَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الصافات: ٤٤] (سُورَةُ الصَّافَّاتِ: الْآيَةُ ٤٤) وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ صِفَتُهُمْ فِي الدُّنْيَا أَيْ أَنَّهُمْ يَرْكَبُونَ مَرَاكِبَ الْمُلُوكِ لِسِعَةِ مَالِهِمْ وَاسْتِقَامَةِ أَمْرِهِمْ وَكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ.
قَالَ الْحَافِظُ: وَالْإِتْيَانُ بِالتَّمْثِيلِ فِي مُعْظَمِ طُرُقِ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَأَى مَا يَئُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ لَا أَنَّهُمْ نَالُوا ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَوْ مَوْضِعُ التَّشْبِيهِ أَنَّهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي أُثِيبُوا بِهِ عَلَى جِهَادِهِمْ مِثْلُ مُلُوكِ الدُّنْيَا عَلَى أَسِرَّتِهِمْ، وَالتَّشْبِيهُ بِالْمَحْسُوسِ أَبْلَغُ فِي نَفْسِ السَّامِعِ.
(قَالَتْ) أُمُّ حَرَامٍ (فَقُلْتُ) زَادَ ابْنُ وَضَّاحٍ لَهُ ( «يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَدَعَا لَهَا» ) وَاسْتُشْكِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute