رَكِبَ» (فَخَرَجَتْ يَهُودُ) وَفِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ وَلِلتِّنِّيسِيِّ: فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتْ يَهُودُ، زَادَ أَحْمَدُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: إِلَى زُرُوعِهِمْ.
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُمْ سَمِعُوا بِقَصْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ وَكَانُوا يَخْرُجُونَ كُلَّ يَوْمٍ مُسَلَّحِينَ مُسْتَعِدِّينَ فَلَا يَرَوْنَ أَحَدًا، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي قَدِمَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ نَامُوا فَلَمْ تَتَحَرَّكْ لَهُمْ دَابَّةٌ وَلَمْ يَصِحْ لَهُمْ دِيكٌ فَخَرَجُوا (بِمَسَاحِيهِمْ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مُخَفَّفًا، جَمْعُ مِسْحَاةٍ كَالْمَجَارِفِ إِلَّا أَنَّهَا مِنْ حَدِيدٍ، طَالِبِينَ زُرُوعَهُمْ (وَمَكَاتِلِهِمْ) بِفَوْقِيَّةٍ جَمْعُ مِكْتَلٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ، الْقُفَّةُ الْكَبِيرَةُ يُحَوَّلُ فِيهَا التُّرَابُ وَغَيْرُهُ (فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا) هَذَا (مُحَمَّدٌ) أَوْ جَاءَ مُحَمَّدٌ (وَاللَّهِ) قَسَمٌ (مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ) ؛ أَيِ: الْجَيْشُ كَمَا فَسَّرَ بِهِ الْبُخَارِيُّ سُمِّيَ خَمِيسًا لِأَنَّهُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: مَيْمَنَةٌ وَمَيْسَرَةٌ وَمُقَدِّمَةٌ وَقَلْبٌ وَجَنَاحَانِ، وَضَبَطَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى مُحَمَّدٍ وَالنَّصْبِ مَفْعُولٌ مَعَهُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُ أَكْبَرُ) كَبَّرَ حِينَ أَنْجَزَ لَهُ وَعْدَهُ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ثَلَاثًا، وَفِي أُخْرَى: «فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ (خَرِبَتْ خَيْبَرُ) » ؛ أَيْ: صَارَتْ خَرَابًا، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: قِيلَ تَفَاءَلَ بِخَرَابِهَا بِمَا رَآهُ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ آلَاتِ الْخَرَابِ مِنَ الْمَسَاحِي وَغَيْرِهَا، وَقِيلَ أَخَذَهُ مِنِ اسْمِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ.
وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْهُ التَّفَاؤُلُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا رَأَى آلَةَ الْهَدْمِ مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْمِسْحَاةِ مِنْ " سَحَوْتَ " إِذَا قَشَرْتَ أَخَذَ مِنْهُ أَنَّ مَدِينَتَهُمْ سَتُخَرَّبُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَهُ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: ( «إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ» ) بِفِنَائِهِمْ وَقَرْيَتِهِمْ وَحُصُونِهِمْ وَأَصْلُ السَّاحَةِ الْفَضَاءُ بَيْنَ الْمَنَازِلِ (فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ) ؛ أَيْ: بِئْسَ الصَّبَاحُ صَبَاحُ مَنْ أُنْذِرَ بِالْعَذَابِ، وَفِيهِ جَوَازُ التَّمْثِيلِ وَالِاسْتِشْهَادِ بِالْقُرْآنِ وَالِاقْتِبَاسِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ رَشِيقٍ وَالنَّوَوِيُّ، وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي جَوَازِهِ فِي النَّثْرِ فِي غَيْرِ الْمُجُونِ وَالْخَلَاعَةِ وَهَزْلِ الْفُسَّاقِ لَهُ شَرَبَةِ الْخَمْرِ وَاللَّاطَةِ، وَأَلَّفَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ قَدِيمًا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ كِتَابًا جَمَعَ فِيهِ مَا وَقَعَ لِلصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ الْمُتَّصِلَةِ إِلَيْهِمْ، وَمِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ الشَّيْخُ دَاوُدُ الشَّاذُلِيُّ الْبَاجِلِيُّ كُرَّاسَةً قَالَ فِيهَا: لَا خِلَافَ بَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي جَوَازِهِ وَنَقَلَهُ عَنْ عِيَاضٍ وَالْبَاقِلَّانِيِّ وَقَالَ: كَفَى بِهِمَا حُجَّةً غَيْرَ أَنَّهُمْ كَرِهُوهُ فِي الشِّعْرِ خَاصَّةً.
وَرَوَى الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْإِسْنَادِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعْمِلُهُ وَهَذِهِ أَكْبَرُ حُجَّةٍ عَلَى مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ تَحْرِيمُهُ، وَالْعُمْدَةُ فِي نَفْيِ الْخِلَافِ عَلَى الشَّيْخِ دَاوُدَ فَهُوَ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ، وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَأَئِمَّتُهُ مُجْمِعُونَ عَلَى الْجَوَازِ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَالْآثَارُ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ تَشْهَدُ لَهُمْ، فَمَنْ نَسَبَ تَحْرِيمَهُ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ فَسَّرَ وَأَبَانَ عَنْ أَنَّهُ أَجْهَلُ الْجَاهِلِينَ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ مُلَخَّصًا وَهُوَ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْوَهْمِ فِي قَوْلِهِ فِي عُقُودِ الْجُمَانِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute