رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أُقْتَلَ تُرَانِي أَمْشِي بِرِجْلِي هَذِهِ صَحِيحَةً فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَكَانَتْ عَرْجَاءَ فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ هُوَ وَابْنُ أَخِيهِ فَمَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ فَقَالَ: إِنِّي أَرَاكَ تَمْشِي بِرِجْلِكَ هَذِهِ صَحِيحَةً فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِمَا وَمَوْلَاهُمَا فَجُعِلُوا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ» " وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَيْسَ هُوَ ابْنَ أَخِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ عَمِّهِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ كَمَا قَالَ فَلَعَلَّهُ كَانَ أَسَنَّ مِنْهُ، قَالَ: وَابْنُ الْجَمُوحِ كَانَ صَدِيقَ عَبْدِ اللَّهِ وَزَوْجَ أُخْتِهِ هِنْدِ بِنْتِ عَمْرٍو (وَهُمَا مِمَّنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فَحُفِرَ عَنْهُمَا لِيُغَيَّرَا مِنْ مَكَانِهِمَا) ؛ أَيْ: لِيُنْقَلَا مِنْهُ لِمَكَانٍ غَيْرِهِ لِأَجْلِ السَّيْلِ (فَوُجِدَا لَمْ يَتَغَيَّرَا كَأَنَّهُمَا مَاتَا بِالْأَمْسِ) لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تَأْكُلُ جِسْمَ الشَّهِيدِ (وَكَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ جُرِحَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جُرْحِهِ فَدُفِنَ وَهُوَ كَذَلِكَ فَأُمِيطَتْ) نُحِّيَتْ (يَدُهُ عَنْ جُرْحِهِ ثُمَّ أُرْسِلَتْ فَرَجَعَتْ كَمَا كَانَتْ) {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} [البقرة: ١٥٤] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ١٥٤) (وَكَانَ بَيْنَ أُحُدٍ وَبَيْنَ يَوْمِ حُفِرَ عَنْهُمَا سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً) وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ جَابِرٍ: " كَانَ أَبِي أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِي قَبْرٍ ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ الْآخَرِ فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ فَجَعَلْتُهُ فِي قَبْرٍ عَلَى حِدَةٍ " وَهَذَا يُخَالِفُ فِي الظَّاهِرِ حَدِيثَ الْمُوَطَّأِ، وَجَمَعَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِتَعَدُّدِ الْقِصَّةِ وَنَظَرَ فِيهِ الْحَافِظُ بِأَنَّ الَّذِي فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّهُ دَفَنَ أَبَاهُ فِي قَبْرٍ وَحْدَهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَحَدِيثُ الْمُوَطَّأِ أَنَّهُمَا وُجِدَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ بَعْدَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَمَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِمَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ قُرْبُ الْمُجَاوَرَةِ أَوْ أَنَّ السَّيْلَ جَرَفَ أَحَدَ الْقَبْرَيْنِ حَتَّى صَارَا وَاحِدًا.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ الْقِصَّةَ فِي الْمَغَازِي فَقَالَ: " حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَشْيَاخٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالُوا: لَمَّا ضَرَبَ مُعَاوِيَةُ عَيْنَهُ الَّتِي مَرَّتْ عَلَى قُبُورِ الشُّهَدَاءِ انْفَجَرَتِ الْعَيْنُ عَلَيْهِمْ فَجِئْنَا فَأَخْرَجْنَاهُمَا يَعْنِي عَمْرًا وَعَبْدَ اللَّهِ وَعَلَيْهِمَا بُرْدَتَانِ قَدْ غُطِّيَ بِهِمَا وُجُوهُهُمَا وَعَلَى أَقْدَامِهِمَا شَيْءٌ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ فَأَخْرَجْنَاهُمَا كَأَنَّهُمَا دُفِنَا بِالْأَمْسِ " وَلَهُ شَاهِدٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ عَنْ جَابِرٍ.
(قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُدْفَنَ الرَّجُلَانِ وَالثَّلَاثَةُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ ضَرُورَةٍ) لَا لِغَيْرِهَا لِمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: " «جَاءَتِ الْأَنْصَارُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ قَالُوا: أَصَابَنَا قَرْحٌ وَجَهْدٌ قَالَ: احْفِرُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute