لَمْ أَتَفَقَّهْ وَإِنْ كُنْتُ بَالِغًا (ثُمَّ مَكَثْتُ حَتَّى عَقَلْتُ) تَفَقَّهْتُ (فَقِيلَ لِي إِنَّ عَلَيْكَ مَشْيًا) لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِ لَفْظِ نَذْرٍ وَعَدَمِهِ إِذِ الْمَدَارُ عَلَى الِالْتِزَامِ فَلَمْ يَرَ تَقْلِيدَ هَؤُلَاءِ (فَجِئْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ أَعْلَمُ أَهْلَ وَقْتِهِ بَعْدَ الصَّحَابَةِ (فَقَالَ: عَلَيْكَ مَشْيٌ فَمَشَيْتُ) لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ نَذْرِ اللَّجَاجِ لَكِنَّهُ يَلْزَمُ إِذَا كَانَ قُرْبَةٌ، وَلَا خِلَافَ فِي الْأَخْذِ بِقَوْلِ الْأَفْضَلِ الْأَعْلَمِ، وَهَلْ لَهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْمَفْضُولِ إِذَا كَمُلَتْ آلَاتُ الِاجْتِهَادِ فِيهِ؟ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، وَعِنْدِي يَجُوزُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ أَيٍّ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ، إِذْ لَا خِلَافَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ وَأَعْلَمُ، وَقَدْ كَانَ جَمِيعُ فُقَهَائِهِمْ يُفْتِي وَيَنْتَهِي النَّاسُ إِلَى قَوْلِهِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ.
(قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) وَقَالَهُ ابْنُ عُمَرَ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ فِيهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، وَالْمَعْرُوفُ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ خِلَافُ مَا رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ، وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُولَ: عَلَيَّ نَذْرُ مَشْيٍ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَأَظُنُّهُ جَعَلَ قَوْلَهُ عَلَيَّ مَشْيٌ إِخْبَارًا بِبَاطِلٍ ; لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ حَتَّى يَقُولَ: نَذَرْتُ الْمَشْيَ أَوْ عَلَيَّ نَذْرُ الْمَشْيِ أَوْ عَلَيَّ لِلَّهِ الْمَشْيُ نَذْرًا.
وَالنَّذْرُ شَرْعًا إِيجَابُ الْمَرْءِ فِعْلَ الْبِرِّ عَلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا خَالَفَ مَالِكًا فِيهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَذَلِكَ " نَذْرٌ " عَلَى مُخَاطَرَةٍ، وَالْعِبَادَاتُ إِنَّمَا تَصِحُّ بِالنِّيَّاتِ لَا بِالْمُخَاطَرَةِ، وَهَذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَكَيْفَ يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ طَاعَةٌ؟ وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: مَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَشْيَ إِلَى مَكَّةَ إِنْ لَمْ يُرِدْ حَجًّا وَلَا عُمْرَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَذَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
وَفِي قَوْلِهِ الْمَعْرُوفِ عَنْ سَعِيدٍ خِلَافُ مَا هُنَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ مَا قَالَ أَنَّهُ الْمَعْرُوفُ عَنْهُ فَيَكُونُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَالْإِسْنَادُ إِلَيْهِ صَحِيحٌ، مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْهُ، لَا سِيَّمَا وَهُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ وَلَا يَضُرُّ مَالِكًا مُخَالَفَةُ الْأَكْثَرِ لَهُ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ بَلْ لَوِ انْفَرَدَ فَلَا ضَرَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute